التجربة المصرية في سياق الربيع العربي تؤكد بأن الممارسة الديموقراطية السليمة ليست هي أن يعتبر حزب من الأحزاب أن فوزه في الانتخابات هدف في حد ذاته، بل يجب أن يعرف كل حزب كيف يجعل من هذا الفوز محطة حاسمة للوصول إلى مرحلة حسن تدبير شؤون الدولة وحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والمؤسساتية للبلاد. الإخوان المسلمون أخطؤوا برهانهم على مرشحهم محمد مرسي ليكون على رأس أكبر دولة في الوطن العربي دولة لها تاريخ عريق وشعبها يستحق أن تكون له قيادة حقيقية ومسؤولة. لقد اهتم الإخوان المسلمون بعدما تربع محمد مرسي على كرسي رئاسة الجمهورية المصرية (اهتموا) بتقوية مواقعهم في السلطة الحاكمة والمتحكمة أكثر من انشغالهم بالمواجهة مع قضايا التعليم والماء والكهرباء والأمن والغذاء، أي القضايا التي يعاني منها السواد الأعظم من أفراد وجماعات الشعب الشقيق،قبل الإعلان عن الإطاحة به، اعترف محمد مرسي بأنه ارتكب عدة أخطاء سياسية ويقولون بأن الأخطاء السياسية تعتبر بمثابة جرائم. والأخطاء التي ارتكبها محمد مرسي شعرت بخطورتها مختلف فئات المجتمع، فئات العمال الذين أصبحوا عاطلين جراء إغلاق العديد من الوحدات الصناعية، وفئات الفلاحين الذين أدركوا مدى خطورة لامبالاة الحاكمين الجدد بموضوع الأمن الغذائي، وفئات الشباب والطلبة ممن يواجهون آفاق جد مظلمة ليست من ضمن انشغالات الحاكمين الجدد. أما الطبقة الوسطى فباتت أكثر عرضة للتفقير والهشاشة وهي النواة الصلبة لأي عمل في اتجاه التنمية الاقتصادية والاجتماعية. كل هذه قضايا يعتبرها الإخوان مجرد مشاكل إن لم يتمكنوا من حلها في آجال قريبة فبالإمكان المواجهة معها في آجال أخرى بعدما يحسموا في مسألة تحكمهم المطلق في السلطة، لأن الأهم عند جماعة الإخوان المسلمين هي إحكام قبضتهم على مقاليد الدولة ذلك الهدف الذي فشلوا في الوصول إليه منذ أن حاولوا في صيف 1954 من اغتيال الزعيم جمال عبد الناصر ولم يتمكنوا آنذاك من تنفيذ خطة السيطرة على أرض الكنانة. وهاهم الآن قد وصلوا إلى السلطة فشرعوا في تنفيذ الاستيلاء على مختلف أجهزة الدولة. كل القوى الحية في مصر أدركت هذه الحقيقة وجاء الآن دور القوات المسلحة المصرية لتوقف هذه المؤامرة باعتبار الجيش قوة مؤتمنة على مصير البلاد ومسؤولة عن استقرار الدولة وحماية المجتمع من عواقب الأخطاء السياسية التي يعترف محمد مرسي بارتكابها وما يتولد عنها من فوضى واضطرابات. من الصعب الآن التكهن بالمصير الذي ينتظر أرض الكنانة بسبب السياسة الظلامية التي ينهجها الإخوان المسلمون. وكيفما كان الحال فالمسؤولية التاريخية لاستمرار الفوضى والاضطرابات تتحملها هذه الجماعة التي تعتبر نفسها أنها الوحيدة التي يحق لها إدارة البلاد على اعتبار دورها في ثورة 25يناير، والحال أن هذا الدور تتقاسمه الجماعة مع العديد من القوى الأخرى التي انفجرت بهجتها وفرحتها في ميدان التحرير لحظة الإعلان عن الإطاحة بمرسي. إحدى المتظاهرات صرحت لإحدى محطات التلفزة بأن : « عبد الناصر قالها من زمان الإخوان مافيهومش أمان»