عادة ما يتم تذييل بلاغات الديوان الملكي عقب استقبال أمين عام أحد الأحزاب السياسية بعبارة ، أن الاستقبال تم «بطلب منه»، لكن البلاغ الصادر عن الديوان الملكي إثر استقبال جلالة الملك لحميد شباط أمين عام حزب الاستقلال جاء مؤطرا بعبارة أن الاستقبال «يأتي عقب تدخل جلالة الملك، نصره الله ، بشأن قرار المجلس الوطني لحزب الاستقلال الانسحاب من الحكومة» . وبحرصه على استعمال عبارة «عقب تدخل جلالة الملك»يؤكد بلاغ الديوان الملكي الاتصال الهاتفي من طرف جلالة الملك بحميد شباط عقب قرار المجلس الوطني لحزب الاستقلال الانسحاب من الحكومة، وهو الاتصال الذي كانت قيادات العدالة والتنمية قد شككت فيه، لدرجة انتقادها لوكالة المغرب العربي للأنباء التي نقلت خبر الاتصال الملكي بحميد شباط من مصدر حزبي استقلالي وليس من الديوان الملكي. وكنتيجة للتشكيك في صدقية هذه المكالمة، بدأت القراءات تسير في اتجاه أن حزب الاستقلال هو من جر الملك إلى التدخل كي يختبئ خلف المؤسسة الملكية ويوقف تنفيذ قراره القاضي بالانسحاب من الحكومة، لكن البلاغ الصادر عن الديوان الملكي يؤكد واقعة أن وقف قرار الاستقلال الانسحاب من الحكومة تم فعلا بطلب من جلالة الملك من أجل ضمان السير العادي للحكومة. ويظهر أيضا من قراءة بلاغ الديوان الملكي المرتكز على عبارة «عقب تدخل جلالة الملك» أن هذا التدخل هو الذي كان خلف عدم لجوء الاستقلاليين إلى تطبيق مقتضيات الفصل 47 المتعلقة بتقديم الوزراء لاستقالتهم الفردية والجماعية،ولجوئهم في المقابل إلى الفصل 42 في التأطير الدستوري لهذا التدخل الملكي. وينص الفصل 42 من الدستور في فقرته الأولى على أن «الملك, رئيس الدولة, وممثلها الأسمى, ورمز وحدة الأمة, وضامن دوام الدولة واستمرارها, والحكم الأسمى بين مؤسساتها, يسهر على احترام الدستور, وحسن سير المؤسسات الدستورية, وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي, وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات, وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة». وأثار اللجوء إلى هذا الفصل في تأطير التدخل الملكي وتقديمه على أنه تحكيم ملكي ، انتقادات الكثير من السياسيين والدستوريين، الذين اعتبروا أن التحكيم الملكي لايتناسب وهذه الواقعة السياسية، على اعتبار أن التحكيم الملكي يتم بين المؤسسات الدستورية ،وليس بين الأحزاب أو بين حزب ومؤسسة دستورية، فيما أثار آخرون أن مقتضيات الدستور المؤطرة لطلب التحكيم الملكي غير متوفرة في هذه الحالة، على اعتبار أن الدستور يؤطر التدخل الملكي بوجود أربع حالات تتعلق بالسهر على احترام الدستور, وحسن سير المؤسسات الدستورية, وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي, وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات, وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة»، وهي الحالات غير المتوفرة في واقعة تلويح حزب الاستقلال بالانسحاب من الحكومة. وانضافت إلى هذه القراءة الدستورية المنتقدة لتوظيف الفصل 42 قراءات سياسية تنهل من استقلالية القرار الحزبي وتحرير اللعبة السياسية، معتبرة أن طلب التحكيم الملكي يعبر عن وجود طبقة سياسية مازالت تصر على الاختباء وراء الملك، فيما تختار المؤسسة الملكية أخذ مسافة مع الشأن الحزبي. وفي المقابل فإن المدافعين عن دستورية التحكيم الملكي ارتكزوا في ذلك على أن التحكيم ليس من منطلق أن الملك «رئيس الدولة ... والحكم الأسمى بين مؤسساتها» بل يرتكز على قاعدة أن الملك رئيس الدولة يسهر على «حسن سير المؤسسات الدستورية» ومادام قرار حزب الاستقلال يهم الانسحاب من الحكومة فإن تدخل الملك يتم في إطار ضمان السير العادي للمؤسسات، دون أن يكون فيه أي اعتداء على استقلالية القرار الحزبي. ويلاحظ أن بلاغ الديوان الملكي لم ينه الاستقبال الملكي لشباط عند حدود الاستقبال، فقد أشار إلى تسلم جلالة الملك لمذكرة اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، فيما قال شباط في تصريح للصحافة عقب لقاء جلالة الملك إنه ينتظر في القريب العاجل رد جلالته . وهو ما يفتح باب التساؤلات عن طبيعة الرد الملكي، هل سيكون في حدود إبداء الملاحظات على مذكرة الاستقلاليين وترك الحسم في الصراع الحزبي يتم بين حزب الاستقلال وحلفائه في الحكومة؟ أم أنه يتجاوز ذلك في اتجاه أن يكون بداية لتطبيق مقتضيات الفصل 42 من الدستور حتى وإن كان البلاغ المقتضب الصادر عن الديوان الملكي لم يشر إلى هذا الفصل في التأطير الدستوري للاستقبال الملكي لحميد شباط