لنتصور حزب الاستقلال يرفض التراجع عن القرار الذي اتخذه مجلسه الوطني. ينفذ قرارالانسحاب من الحكومة. ينضبط وزراؤه لقرار حزبهم ويقدمون استقالاتهم دون أي تردد. ينتقل نوابه، جماعة، إلى صف المعارضة، فيسحبون مساندتهم للحكومة، ويصوتون ضد مشاريعها. إذا حدث كل هذا فسوف يكون حزب الاستقلال قد خلق سابقة في تعامل الأحزاب المغربية مع تحالفاتها الحكومية، وسلوكا جديدا في الممارسة السياسية. صحيح أن الدستور الجديد يمنح الأحزاب السياسية، الراغبة في ذلك، فرصة ممارسة استقلاليتها، ويدفعها إلى تقدير مسؤوليتها عن كل قرار تتخذه، وعن تبعات ذلك على الحياة الوطنية. لكن هل الأحزاب المغربية مؤهلة لكي تتحرر من التقاليد التي كانت سائدة في العهود السابقة؟ إذا استطاع حزب الاستقلال تفعيل خطابه، والمضي في اختيار الانسحاب من الحكومة إلى النهاية، إذا رفضت مطالبه، فإننا سوف نكون قد بدأنا ندخل، شيئا فشيئا، إلى الممارسة العادية للديمقراطية السياسية مثلما تمارس في البلدان التي سبقتنا إلى ذلك. كثير من المتتبعين رأوا غير قليل من الالتباس في الأسلوب الذي أعلن به حزب الاستقلال قرار الانسحاب من الحكومة. لو كان مقتنعا بقراره وصادقا في مبرراته السياسية، فلماذا ربطه بالفصل 42 من الدستور؟ ألا يعني ذلك أنه يبحث عن مبرر للاستمرار في الحكومة، ويسعى لكي يكون ذلك عن طريق تحكيم ملكي؟ إذا كانت هذه هي نية حميد شباط، فإن مساهمته في تفعيل الدستور الجديد تكون مساهمة سلبية. بل يكون سلوكه عودة إلى الوراء، ويزكي الصورة التي يحملها عنه خصومه؛ صورة الحزب الذي لا يستطيع العيش خارج الحكومة، ويؤكد التفسير الذي يزعم أن الزعيم الجديد لحزب الاستقلال لم يكن خلافه مع رئيس الحكومة خلافا في البرامج ولا في منهجية التسيير الحكومي. ولم يكن بحثا عن الفعالية الحكومية. لكنه مجرد تصفية حسابات داخلية للحزب. ما هي النوايا الحقيقية لحزب الاستقلال؟ هل هي الانتقال نحو ممارسة سياسية جديدة، تتماشى مع التفعيل الديمقراطي والعصري للدستور الجديد، أم أنها مجرد مناورة مبتكرة لخدمة ممارسة قديمة؟ الجواب سوف يظهر في سلوك حزب علال الفاسي على ضوء الكيفية التي سوف يتعامل بها جلالة الملك مع هذه الأزمة الحكومية.