الرائج في النقاشات السياسية أن الحركة الأمازيغية حركة ثقافية، لكن هل يمكن فعلا اختزال خطاب مختلف مكونات الحركة الأمازيغية ونخبها وجماهيرها وعلى امتداد تاريخ نشأتها وتطورها في حدود السؤال اللغوي والثقافي، أم أن خطابها كان منذ البداية خطابا ثقافيا ببعد سياسي على مستوى الوعي والمقولات، بل وبعض آليات العمل والتأثير والحضور في النقاش العمومي والمجتمعي؟ أوليس السؤال اللغوي والثقافي في حد ذاته سؤالا سياسيا لا غبار عليه؟. فتجليات البعد السياسي تبدو واضحة في خطاب وممارسة مكونات الحركة الأمازيغية من إطارات وجمعيات وفاعلين وحركة شبابية…، سواء من خلال التراكم الذي تحقق على امتداد أكثر من عشرين سنة منذ بروز وتأكد هذا البعد، أو من خلال التطور الذي عرفته الحركة وخطابها الاحتجاجي وتطورها التنظيمي خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد تأسيس الحزب الديموقراطي الأمازيغي واشتغال مناضلين آخرين على أوراق سياسية مختلفة، وبعد ظهور حركة «توادا» والحركة الشبابية والاحتجاجات المرتبطة بالوضع السوسيو اقتصادي بعدة جهات ومناطق كموضوع الثروات والمناجم والأراضي والمجال الغابوي. ولا شك أن وراء نشأة وتطور هذا البعد وعيا سياسيا بدرجات متفاوتة حسب الشروط التاريخية والاعتبارات الذاتية والموضوعية المحيطة بنشأة وتنامي الخطاب الأمازيغي وأشكاله التنظيمية. بيد أنه من المفيد التساؤل أولا ما المقصود بالخطاب والوعي السياسيين؟. فالمقصود بالوعي السياسي عادة هو قدرة الإنسان على فهم الأوضاع والقضايا والمشاكل السياسية في البلد والمنطقة التي يعيش فيها، أو في اطار قضية محددة، وذلك انطلاقا من مفاهيم أو مقولات وأفكار وقناعات إيديولوجية تمكنه من التحليل والنقد وطرح البدائل واتخاذ المواقف والعمل على تغيير الأوضاع أو تطويرها. وهناك العديد من الآليات والوسائط التي تسمح بتنامي هذا الوعي لدى الأفراد والجماعات ومنها الاحتكاك بالتنظيمات والخطابات السياسية ومتابعة الأحداث بشكل مباشر أو عبر الإعلام والنشر، أو عبر المشاركة السياسية التي يمكن أن تبدأ من مستوى إبداء الرأي والتفاعل مع الأحداث وصولا إلى الانخراط في الإطارات والتنظيمات والحركات والمشاركة في العملي السياسي . فهل ينطبق هذا التوضيح على نمط التعاطي لدى الأمازيغ مع الشأن السياسي خاصة من خلال العمل الحزبي والمشاركة في العمليات الانتخابية منذ أكثر من نصف قرن؟ المرجح أن الكثير من الأمازيغ وفي الكثير من مناطق المغرب وعلى امتداد عشرات السنوات مما يسمى بالمشاركة السياسية التي تختزل في الانتخابات بالنسبة للسلطة والأطراف المدبرة والمستفيدة من اللعبة والوضع السياسي القائم، يقدمون على هذه المشاركة دون وعي سياسي حقيقي يترتب عن إلمام بقضايا الخطابات والكفاءات والبرامج والمشاريع الإيديولوجية، وبالشكل الكفيل بجعل العملية السياسية والديمقراطية والانتخابات محكومة بحس وآليات المسؤولية والمحاسبة وخدمة مصالحهم العامة على المستويين المحلي والوطني. بل أن هذا الشكل من المشاركة السياسية العفوية أو الساذجة، والذي يدبر ويوجه ويستغل عبر أشكال التحكم التقليدية كبنية القبائل وسلطة الوجهاء والأعيان ومكر فصيلة معينة من الكائنات القروية والانتخابية، يقوم أساسا على استغلال محدودية الوعي بالعملية السياسية وارتهان مصالح السكان ببعض الحاجيات الظرفية واليومية والصغيرة، خاصة أمام حالات الفقر والعوز والخوف المستشرية نتيجة الهيمنة الثقافية وأشكال التسلط الإداري والاستغلال الاقتصادي والاجتماعي. وإذا عدنا إلى بوادر نشأة الوعي الأمازيغي، فيمكن الذهاب بعيد في فرضية حداثة هذا الوعي السياسي باعتبار أن جل الانتفاضات التي عرفتها الأوساط الأمازيغية، بل وحركات التحرير والمقاومة المسلحة بالريف وسوس والأطلس المتوسط، إن كانت تعكس في أسبابها والظروف المحيطة بها وبعض تفاصيلها وعيا سياسيا بالتحرر والمقاومة والدفاع عن الأرض والوجود القبلي الأمازيغي، فإن البعد الأمازيغي لهذا العمل التنظيمي والكفاحي والسياسي كان بعدا عفويا ولم يتبلور في خطاب ايديولوجي أو وعي هوياتي أمازيغي بارز وواضح المعالم. انطلاقا من هذه التوضيحات يمكن القول بأن الوعي السياسي الأمازيغي لم ينشأ ويشرع في التبلور إلا من خلال التطور الطبيعي لخطاب الحركة الأمازيغية وآلياتها التنظيمية، ومن خلال تفاعلها مع مختلف العوامل والشروط التي واجهتها في مسارها النضالي والاحتجاجي والتصحيحي من أجل اقرار الحقوق وانتزاع الانصاف في إطار قضيتها العادلة. وإذا كانت البوادر والعناصر الأولى لهذا الوعي، وإن بشكل عفوي وفطري، تعود إلى سياق نضال جيش التحرير والمقاومة المسلحة الأمازيغية، كما تعود إلى بداية العمل الجمعوي الأمازيغي في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من القرن العشرين، فإنها لم تتبلور في خطاب وبراديكم هوياتي واضح إلا منذ حوالي ثلاثين سنة، أي منذ بداية دورات الجامعة الصيفية بأكادير واعتقال المؤرخ والشاعر الكبير علي صدقي أزيكو سنة 1982 على إثر نشره مقال حول «المفهوم الحقيقي لثقافتنا الوطنية» بمجلة أمازيغ وقضائه سنة حبس نافدة، ثم صدور ميثاق أكادير سنة 1991 وما تلاه من نقاشات وبيانات ولقاءات ومشاريع مسيرات «توادا». وفي إطار هذه السيرورة وتطورات الخطاب وآليات العمل الأمازيغي تبلور وعيها السياسي بشكل بارز من خلال مجموعة من التطورات الحقوقية والتنظيمية والمطالب الاقتصادية والاجتماعية، والأشكال الاحتجاجية التي يمكن اختصارها فيما يلي: المطالبة بدسترة الأمازيغية وإقرار الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية واعتماد سياسة ديمقراطية في هذا الشأن، وانصاف الأمازيغية عبر تأهيلها وإدماجها في البرامج التعليمية الرسمية وفي الإعلام، وتشجيع الانتاج والإبداع باللغة الأمازيغية في مختلف مجالات المعرفة والثقافة…وغيرها من المطالب التي شكل ميثاق أكادير اطارها المطلبي والسياسي رغم أنه أصيغ في إطار الدورة الرابعة للجامعة الصيفية سنة 1991 ووقع من طرف 5 جمعيات مدنية. تطوير المقاربة اللغوية والثقافية، والمطالبة بتنمية المناطق الأمازيغية، وبتصحيح التاريخ ورفع الحظر عن الأسماء الأمازيغية…، وقد شكل البيان الأمازيغي سنة 2000 إطار تبلور هذا الخطاب وتداوله الحركي وبحس سياسي واضح. تدويل مطالب الحركة عبر المشاركة في ملتقيات دولية وفي أشغال الهيئات والمؤتمرات الحقوقية كهيئة الأممالمتحدة والشعوب الأصلية، ثم تقديم تقارير حول وضعية الأمازيغية إلى المنظمات والهيئات الدولية، وكذا تقارير موازية أو مضادة للتقارير الحكومية خاصة من طرف الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة ومنظمة تماينوت والكونغريس العالمي الأمازيغي. نشاط الحركة الثقافية الأمازيغية بعدة مواقع جامعية خاصة بأكاديروامكناس ووجدة وإمضغرن..، وقدرتها على فرض حضورها الثقافي والسياسي ونشر خطابها الهوياتي في صفوف الطلبة وبعض الأوساط القروية الأمازيغية، واعتقال العديد من مناضليها وعلى رأسهم مصطفى أوسايا وحميد أعطوش المحكوم عليهما بالسجن النافد خلال أحداث مكناس سنة 2007 على خلفية نشاطهم في صفوف الحركة الأمازيغية. تأسيس الحزب الديمقراطي الأمازيغي المنحل، وإعداد مجموعة من مشاريع وأوراق وبيانات ونداءات سياسية أخرى من طرف نشطاء ومناضلين في صفوف الحركة الأمازيغية، والعمل على تطوير آليات العمل من المستوى المدني والحقوقي إلى صعيد التنظيم السياسي والحزبي. ظهور حركات احتجاجية ببعض المناطق التي تعاني من نهب الثروات والترامي على أراضي الجموع وتحديد الملك الغابوي وحرمان الساكنة من الاستفادة من ثروات مجالها الطبيعي، وتبلورها في إطار وعي هوياتي أمازيغي. وكذا ظهور ديناميات جهوية تطرح مقاربتها للسياسة الترابية انطلاقا من مرجعيات وخطاب الحركة الأمازيغية والأبعاد الثقافية والتاريخية والاقتصادية للمجال. انخراط الشباب الأمازيغي في حراك 20 فبراير، وعمله بعد ذالك في إطار تنسيقيات «توادا» التي تحظى بتمثيليات شبابية في عدة مدن ومواقع، والتي استطاعت أن تنظم أربع مواعيد احتجاجية كبرى بعدة مدن، ووجهت خلال إحداها بأكادير وانزكان بالمنع والقمع. تنظيم لقاء وطني للحركة الأمازيغية بإمزورن بالريف، جمع لأول مرة بين مختلف المكونات والأوراق السياسية والمشاريع التنظيمية- الحزب الديمقراطي الأمازيغي، الخيار الأمازيغي، التجمع من أجل الحرية والديمقراطية، الحزب الفدرالي، بيان ونداء من أجل تمازيغت-، وخلص إلى ضرورة تعميق النقاش بين الإطارات والمكونات المشاركة وتأسيس جبهة أمازيغية موحدة تشكل إطارا تنسيقيا أمازيغيا بمشروع وأهداف محددة يمكن تحديدها وصياغة آلياتها التنظيمية واستراتيجيتها العملية في لقاء مكناس القادم.