شهدت مدينة الرباط قبل أيام جلسة سماها البعض «جلسة تمهيدية للحوار مع السلفيين الجهاديين». الفكرة ليست وليدة اليوم، بل يتم الترويج لها منذ سنوات وباختلاف في النظرة كل من موقعه. لابد ،في البداية، من التنويه بأن الحوار هو أسلوب حضاري راق، وهو دليل على إنسانية العلاقات. لكن الحوار يتطلب مجموعة من الشروط الأساسية، أهمها الانطلاق من منظومة قيمية متفق عليها... النهج الذي يرفضه المجتمع وترفضه الإنسانية جمعاء، بفلسفاتها ودياناتها، هو ذلك الذي يقوم على تحييد المخالف بالتصفية الجسدية، ومع الأسف هذه هي الركيزة التي يقوم عليها «فكر» السلفيين الجهاديين. لقد عانى المغاربة من ويلات الإرهاب ،الذي يشرع له وينفذ مخططاته السلفيون الجهاديون، وعشنا تفجيرات إرهابية موجعة، ذهب ضحيتها أبرياء وخلفت معطوبين وأرامل وأيتام وحالات اجتماعية صعبة. كل هذا تم بتحريض وتنظير وتنفيذ من قبل «الفكر السلفي الجهادي». في هذا المقام،هناك أسئلة كثيرة تفرض نفسها: هل يمكن لأي حوار أن يتم في إطار هذه المنظومة «الفكرية» الدموية؟ وهل نضع القاتل والقتيل في كفتي ميزان واحد؟ وكيف يمكن محاورة من لايؤمن سوى بقناعاته القائمة على الحقد والكراهية والإرهاب ؟هي أسئلة وغيرها تتطلب الإجابة قبل الحديث عن أي حوار. هذا الحوار الذي لا يمكن أن ينطلق أساسا إلا بعدما يتخلى السلفيون الجهاديون عن «قناعاتهم» الإرهابية القائمة على خطاب التكفير. صحيح أن المقاربة الأمنية والقضائية قد يكون لها ضحايا ممن لا يد لهم في الإرهاب، وهو احتمال وارد على كل حال في كل المجالات. لكن لا أحد يمكنه أن يبرر الإرهاب وأخطاره ومخلفاته. وبالتالي فالقاعدة الأساسية هي نبد الإرهاب والفكر الذي يدعو إليه، وهذا هو المنطلق لأي حوار في الموضوع. غير ذلك فإننا سنجد أنفسنا مرة أخرى أمام تغطية سياسية جديدة للإرهابيين في انتظار 16 ماي جديد لاقدر الله. إن الحوار يجب أن يقوم على منطلقات أساسية تمثل الأرضية الصلبة للانتماء إلى الوطن، وهي أرضية ارتضتها الإنسانية في الوقت المعاصر، تتمفصل في الديموقراطية وحقوق الإنسان والإيمان بالدولة المدنية. فهل السلفيون الجهاديون مستعدون للقبول بهذه المنظومة الفكرية؟ هذا هو السؤال. غير ذلك يبقى كل ما يروج له مجرد تعميمات قد تكون ملغومة في بعض الأحيان، دون إبعاد حسن النية عند البعض بطبيعة الحال.