عبد الله بوصوف.. النظام الجزائري من معركة كسر العظام الى معركة كسر الأقلام    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    "منتخب U17" يتعادل مع الجزائر    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    المغرب التطواني يفوز على مضيفه اتحاد طنجة (2-1)    الوزير بنسعيد يترأس بتطوان لقاء تواصليا مع منتخبي الأصالة والمعاصرة    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة        المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء    النصيري يسجل هدفا في فوز فنربخشة أمام قيصري (6-2)    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    وسط حضور بارز..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تخلد الذكرى الستين لتشييد المسجد الكبير بالعاصمة السنغالية داكار    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي        اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور    مكتب "بنخضرة" يتوقع إنشاء السلطة العليا لمشروع أنبوب الغاز نيجيريا- المغرب في سنة 2025    الشراكة الاستراتيجية بين الصين والمغرب: تعزيز التعاون من أجل مستقبل مشترك    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    استغلال النفوذ يجر شرطيا إلى التحقيق    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    "مرتفع جوي بكتل هواء جافة نحو المغرب" يرفع درجات الحرارة الموسمية    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    انخفاض مفرغات الصيد البحري بميناء الناظور    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة        فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    الوزير برّادة يراجع منهجية ومعايير اختيار مؤسسات الريادة ال2500 في الابتدائي والإعدادي لسنة 2025    اختفاء غامض لشاب بلجيكي في المغرب    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البوليس : مشاكل مهنية واجتماعية ترفع الضغط

«الدوبلاج».. «التنقيل».. وغيرهما.. أشباح تقض مضاجع حملة السلاح بالمغرب. قبل مجزرة مشرع بلقصيري كانت وتيرة حوادث الانتحار قد آخذت منحى تصاعديا. حوادث تم بعضها برصاص المسدسات الوظيفية، الذي بدل توجيهها نحو أفراد العصابات الإجرامية، وجدت طريقها في رد فعل يائس نحو ذوات رجال الشرطة. هكذا توالت حوادث الانتحار، قبل أن يُصدم المغاربة قبل أسابيع بحادثة شكلت سابقة من نوعها، بعدما استهدف الشرطي حسن البلوطي ثلاثة من زملائه أرداهم قتلى برصاص مسدسه المهني داخل مفوضية الشرطة بمدينة مشرع بلقصيري. الحكاية بدأت باحتجاج على الإقصاء من «ريع الباراج»، لتنتهي بفاجعة فتحت الباب أمام الجانب المُغيب من الحياة المهنية لرجال الأمن حيث يعيشون و«سيوف» التنقيلات التأديبية والرسائل الكيدية والحركة الانتقالية مسلطة على رقابهم كل يوم!
«وقف نتاااا.. وآصاحبي راني تكلمت معاك.. وقف»، ثم يلتفت نحو سائق آخر، يحاول الانسلال بسيارته في غفلة عنه. لم يجد الشرطي أمامه سوى تأنيبه قائلا : «واش ولينا دراري صغار.. آصاحبي». بين الفينة والأخرى، كان يُمسك جهاز «الطالكي والكي» من أجل الاستعانة بخدمات أحدهم. حاول جاهدا تيسيير الاختناق المروري الحاد بالملتقى الطرقي القريب من القصر الملكي بالبيضاء . لكن صراخه، وصوت صفارته المزعج، لم يجديا نفعا أمام سيل السيارات المندفع كشلال. ترك مكانه بوسط المدار، ثم انزوى بعيدا، وجلس على الطوار. وضع قبعته جانبا، يمسح جبينه من قطرات العرق. أخذت يداه ترتجفان. تحلق حوله العديد من المواطنين الذين أخذوا يتساءلون عن طبيعة مرضه.. «واقيلا مسكين فيه السكار.. الله يحسن لعوان.. الله يخرج سربيسك على خير آشافًَ». مواطن آخر جلب له قنينة ماء، وأخذ يسكب عليه منها لغسل وجهه. بعد عشر دقائق، أخذ الشرطي مكانه من جديد وسط هدير السيارات المسرعة التي يجتهد سائقوها في «السليت» بعيدا عن صوت صافرته. هكذا كان حال الملتقى المذكور في الساعة الخامسة من أحد أيام الأسبوع الجاري.. ملتقى مصنف في اللائحة السوداء بالبيضاء، يستقبل مئات السيارات كل ساعة، وشرطي مرور دفعه تهور بعض السائقين و«زربتهم» إلى الاستسلام لنوبة «ستريس»، كاد على إثرها، أن يترك عمله الروتيني كنوع من الاحتجاج «الصامت» على ضغوطات وإكراهات عمل «استثنائي»..
«خدمة معندها وقت!»
خمس سنوات من الخدمات في سلك الأمن، كانت كافية ليتأقلم عبد العزيز مع طبيعة العمل في سلك الشرطة. التكوين الذي يخضع له المتدربون بالمعهد يجعلهم على أهبة مواجهة مختلف أنواع الضغط الذي يتعرض له رجال الأمن من خلال العمل بالشارع العام، ونوع آخر من الضغط يتعلق بأوقات العمل المديدة التي تؤثر سلبا على حياته الأسرية.
«شحال من مرة تاكتكون جاي لدار، يقدر يجي شي تيليفون وتولي راجع للخدمة تاني» يصرح عبد العزيز، قبل أن يضيف «صراحة أنا كنت باغي ندير الأمن، وعارف أنها خدمة معندها وقت!»، لكنه رغم ذلك يجد صعوبة في تقبل نظام عمله من طرف خطيبته، فكثير من المرات كان عبد العزيز مضطرا للتخلف عن مواعيده مع زوجة المستقبل، التي لم تتقبل الأمر في البداية، وكان من الصعب عليها تجرع الانتظار وحيدة في المقاهي والمطاعم قبل أن يفاجأها هاتف مستعجل يعتذر فيه عبد العزيز، بحجة طارئ أو جديد في العمل أو سفر مفاجئ بحكم عمله كضابط للشرطة.
ضغوطات العمل وهاجس الوقت الذي يحكم عمل عبد العزيز كأمني، أثر في البداية على علاقته مع خطيبته، سيما أن العمل تسبب له مرارا في الغياب عن أحداث مهمة في حياة أي ثنائي مستقبلي. يتذكر عبد العزيز كيف وعد خطيبته منذ شهرين من أجل أن يزورا معا إحدى الشركات العقارية لاختيار شقة الزوجية، لكن انشغال عبد العزيز بالتحقيق في أحد القضايا جعله يتخلف عن موعده، ويطالب خطيبته باكتشاف الشقة، وتوكيل المهمة لها. لكن ردة فعلها كانت قوية ولم تستطع استساغة تخلفه عن حدث مهم في حياتهما. كان على عبد العزيز ابتداع طرق جديدة للاعتذار، قبل أن تتأقلم خطيبته على مضض مع ساعات عمله المديدة وتنهي مكالماتها بلازمة:«مغديش تجي تاني؟»، فيما على عبد العزيز تذكيرها دوما على أنه «بوليسي» و«هذي هي خدمة البوليس!».

التنقيل هاجس يهدد تماسك الأسرة
إذا كانت مهنة عبد العزيز وغيره من رجال الأمن ذوي الرتب الدنيا والمتوسطة في الأمن تأخذ حيزا زمنيا مهما عمن التزاماتهم الأسرية، فهناك فئة من رجال الأمن من ذوي الرتب العليا مهددون بالتنقيل أية لحظة إما تأديبيا وإما لكفاءة العنصر، سيما العمداء والعمداء الممتازون والإقليميون، فيما يعرف بإعادة الانتشار التي تجري كل 4 سنوات. إعادة توزيع الموارد البشرية الأمنية تخلق لأسر الأمنيين نوعا من الاضطراب واللاستقرار سيما الأطفال.
حسن عميد أمن، يحكي كيف كانت التنقيلات تؤثر على حياته الزوجية:«شحال مرة وقفنا على الطلاق!» يؤكد حسن، ويحيل على لحظات تشنج شابت علاقته مع زوجته بسبب التنقيلات المتفاجئة سيما أواسط السنة الدراسية، وكادت تعصف بمستقبل حياته الزوجية، بعد رفضها غير ما مرة الانتقال إلى مدينة أخرى، وحشدها للأطفال إلى صفها ورفض الانتقال بحجة أن الأمر يؤثر على المسار الدراسي لأطفاله الثلاثة، وكان عليه البحث عن سبل للإقناع زوجته وأولاده، قليلا ما كان ينجح في ذلك، قبل يأتي الفرج على يد أحد الأقراب ويتدخل ب«خيط أبيض» بينه وبين زوجته وأولاده.
«الدراري تاهما تمحنو معايا، غير كيولفو شويا مدينة كنتحولو!» يلخص حسن جانبا من الإكراهات المهنية التي تؤثر سلبا على حياته الأسرية، لكن السلوى الوحيدة التي أصبحت تخفف عنه ضغط العمل، هو بداية نضج أبنائه وإحساسهم بالمسؤولية التي يتحملها والدهم.
حلم «الزوجة» المصادر!
من بين التدابير المهنية التي من شأنها التأثير سلبا على عطاء رجل الأمن، مسطرة الإذن بالزواج. إجراء تروم من خلاله المديرية العامة للأمن الوطني تحصين المحيط الأسري لرجل الشرطة من مجموعة من الظواهر السلبية كالدعارة والمخدرات والتطرف التي تشكل موانع تقف عائقا أمام قبول الخطيبات. 
حسب مصدر أمني، يتعين على الراغب في عقد قرانه من رجال الشرطة، الحصول على شهادة الإذن بالزواج مسلمة من لدن إدارته، كما يجب عليه تسليم ملف يتضمن وثائق خاصة به وبخطيبته، وينتظر الرد المبدئي من إدارة الأمن، ليباشر باقي الإجراءات الأخرى.
ويستدرك المصدر ذاته، أنه بمجرد تلقى الإدارة لطلب الشرطي، تباشر مصلحة الاستعلامات العامة بالمدينة التي تقطن بها الخطيبة بحثها عنها وعن محيطها العائلي، ويرفع التقرير النهائي، ليتم الرد على الراغب في الزواج بالموافقة أو الرفض.
ويقول المتحدث، أن الأصل هو الاستجابة للطلبات المقدمة، إلا في بعض الحالات الاستثنائية، التي تكون فيها الزوجة المحتملة غير مناسبة لارتباطها هي أو محيطها العائلي بقضايا الدعارة وترويج المخدرات أو استهلاكها أو الدعارة أو سوابق النصب والاحتيال أو لها علاقة بوسط أسري متطرف.
يقول ناصر، الذي يعمل رجل أمن في إحدى الدوائر الأمنية بالدار البيضاء، إنه شخصيا عانى الأمرين من أجل الحصول على رخصة بالزواج من المديرية العامة للأمن الوطني، «قمت أنا بصفة شخصية على تجميع العديد من المعطيات حول الخطيبة ومحيطها الأسري والعائلي، وأيضا الحصول على معلومات وافية عن ماضيها الدراسي.. الحاصول درت الخدمة لخاصها تدار.. توصلت لنتائج طيبة وكان عندي أمل كبير باش الأدارة توافق »
واستدرك ناصر، بأنه صعق للرد السلبي الذي تلقاه من الإدارة، لكنه رغم ذلك، لم يفقد أمل الإرتباط بزوجة المستقبل، مشيرا إلى أن رغبته في الزواج، كانت أقوى من إرادة رؤسائه في العمل، «طلعت للرباط .. وقفت على شغلي بيدي.. والنتيجة كانت هاذ المرة إيجابية.. لقاو الأمر عندو علاقة بخطأ إداري متعلق بتشابه في الاسم العائلي»، يقول ناصر الذي عانى كثيرا قبل حصوله على الإذن بالزواج.
يستطرد ناصر عن معاناته خلال تلك المرحلة قائلا : «عشت خلال تلك الشهور ضغوطا نفسية رهيبة، أثرت كثيرا على عطائي المهني.. آخر شيء كنت أفكر فيه هو العمل..آنذاك تمنيت لو لم أدخل سلك الشرطة.. لكن ربي كبير»، وأردف« حتى لا تؤثر مثل هذه التجارب السلبية مستقبلا على رجل الشرطة، ينبغي أن يرافق عمل رجال الأمن في المغرب تأطير نفسي من خلال أخصائيين كلما ظهرت الحاجة إلى ذلك»، مشيرا إلى أن مشاق العمل الصعبة من حيث المسؤوليات الجسمية الملقاة على عاتق موظفي المديرية العامة للأمن الوطني، وأيضا تعدد المهام وإكراهات العمل والضغوطات الاجتماعية، تستوجب رعاية نفسية».
عندما يسقط الشرطي ضحية ِ«بلاغات كاذبة»
كانت بداية تاريخه المهني في صفوف أسلاك الأمن الوطني مع عمليات أمنية ناجحة. جعلت سجله يحتفظ بتنويهات مشرفة من مرؤوسيه. بعد سنوات من المثابرة والعطاء والترقيات. تم إلحاقه بالأمن الولائي بإحدى المدن المغربية، كعميد فرقة جنائية بالمصلحة الولائية للشرطة القضائية. مرت شهور عدة، والعميد يزاول مهامه في الإشراف على مهمات التحري الخاصة، وتعقب خيوط الشبكات الإجرامية. في حدود أواسط سنة 2010، ستتمكن فرقته من تفكيك شبكة متخصصة في تزوير أختام مسؤولي الدولة، إضافة إلى أختام وطوابع خاصة بسفارات أجنبية بالمغرب، ومجموعة من الوثائق البنكية المزورة، ومنها أوراق إثبات الهوية وشواهد إدارية وأوراق السيارات وجوازات سفر مغربية وأجنبية.
أسبوعان بعد إحالة أفراد الشبكة الإجرامية على الوكيل العام، ستطفو على واجهة الأحداث مفاجأة من نوع خاص، حيث وجد العميد وأفراد فرقته الأمنية، أنفسهم في مواجهة تهم الرشوة والابتزاز واستغلال النفوذ.
كشفت صفحات المحاضر عن ملامح اتهامات ثقيلة وجهها أحد المخبرين، الذي اعترف أمام المصالح الأمنية، بكونه كان يتوسط للفرقة الجنائية في عمليات «الابتزاز»، ليتم اعتقال العميد وباقي عناصر فرقته الجنائية، وإيداعهم السجن، بأوامر من قاضي التحقيق.
ظل العميد يدافع عن براءة مساعديه في جميع مراحل التقاضي، معتبرا أن الشكاية المقيدة في مواجهتهم هي مجرد وشايات كاذبة واتهامات كيدية في حق أمنيين تخلو سيرهم من أية سوابق مماثلة. قضى عناصر الفرقة الجنائية أكثر من سنة وراء القضبان على ذمة التحقيق. مدة نفوا خلالها كل الاتهامات الموجهة إليهم، حيث أكدوا أن الأمر يتعلق ب«تصفية حسابات».
في شهر ماي 2012. الغرفة الجنحية بمحكمة المدينة، تبرىء العميد ومساعده من التهم الموجهة إليهما بالرشوة والابتزاز واستغلال النفوذ. وهي الأحكام التي زرعت الأمل في قلوبهم. لكن مساحة الأمل انحسرت مباشرة بعد علمهم بأن الجهات الإدارية جمدت وراتبهم مباشرة بعد اعتقالهم.
يقول أحد أعضاء الفرقة الجنائية المذكورة، بأنه لحد الساعة مازال غير قادر على استيعاب الأمر.. ِ«الأمور انقلبت رأسا على عقب في مدة قياسية. خلال أسابيع قليلة، وجدت نفسي وراء القضبان مع المجرمين.. كنا نسمع عن إكراهات العمل كبوليسي، لكن أن تجعلك بلاغات كاذبة تلقى مثل هذا المصير، هذا هو الأمر المخزي. لقد مرغت كرامتي في التراب».
الوقائع ذاتها تنسحب على مجموعة من القضايا ذات الحساسية، التي راجت أمام المحاكم، وكان المتهم فيها رجال أمن وجمارك ودركيين، كتبرئة متهمين تابعين للمديرية العامة للأمن الوطني في ملف يتعلق ب«تنظيم وتسهيل خروج مغاربة خارج التراب الوطني بطريقة سرية وبصفة اعتيادية والارتشاء». يقول مصدر أمني، بأن البلاغات الكاذبة والكيدية، تبقى من بين أهم العوائق التي يمكن أن تصادف رجل الأمن في حياته المهنية، وهي العوائق التي من الممكن أن تتسبب له في مشاكل عدة، قد تصل به إلى التوقيف أو العزل النهائي من سلك موظفي الأمن الوطني، ويستطرد المتحدث ذاته، أنه رغم أن الكثيرين يقولون إنه لا دخان بدون نار، فإن الكثير من البلاغات الكاذبة، تسببت في توقيف البعض وإعمال المسطرة التأديبية في حقهم، «البوليسي خاصو يولي حاضي مع راسو مزيان.. هاذا هو السربيس.. خاص الصبر.. كاين مسكين لي كيتقهر حتى كيولي يقول أنا آش داني النهار الأول ندوز شي مباراة.. وشحال من واحد كيبدي يفكر في الانتحار.. الله يخرج السربيس على خير!».
السلاح الوظيفي: مصدر آخر للقلق!
«السلاح ما معاش اللعب!» رأي يجمع عليه غالبية رجال الأمن بالمغرب، لخطورة وحساسية الموضوع، كان من الصعب إيجاد متحدث حوله. هشام (*) حارس أمن، يحكي عن السلاح الوظيفي الذي يؤرق رجال الأمن، سيما هاجس ضياعه أو سرقته أو استعماله من يد عابثة أخرى، أو ضياع ولو رصاصة من شحنة المسدس.
كابوس السلاح هذا، يكاد يجثم على جميع رجال الأمن دون استثناء بالمغرب، يؤكد هشام، باستثناء بعض رجال الأمن الذين يتم نزع السلاح الوظيفي منهم سيما المدمنين على الكحول. وبالتالي على كل شرطي البحث أولا عن طريقة يحتفظ بها بالسلاح الناري بالمنزل بعيدا عن الأعين والأيادي. فكثير من رجال الأمن الذين يضطرون لحمل السلاح للمنزل مطالبون بوضعه بمكان أمين، سيما المتزوجون منهم، مخافة أن يصل إليه الأطفال، كما حدث مؤخرا بالقنيطرة، بعدما استطاع طفل في الخامسة من العمر الوصول إلى مسدس قريب له يعمل شرطيا، ظن أنه بصدد لعبة قبل أن يخرج طلق ناري من فوهة المسدس أحدثت له تشويها على متسوى الأنف والوجه، وزجت بقريبه الشرطي بالمجلس التأديبي التابع لولاية أمن القنيطرة.
حادث آخر كان مسرحه حي سيدي عثمان بالدار البيضاء، في شتنبر من السنة الماضية، حينما سرق مسدس رجل أمن برتبة حارس أمن كان حلى متن حافلة للنقل العمومي. تفاجئ رجل الأمن بشخص يسطو على سلاحه الوظيفي ويلوذ بالفرار ملوحا بالمسدس، غير أنه طارده بعد أن سادت حالة ذعر في الحافلة حيث تعقبه بعض الركاب، لكن المتهم هدد الجميع بالقتل مشيرا إلى أنه يحتاج السلاح لقتل أحدهم.
وتمكن حارس الأمن من إيقاف المتهم الذي كان في حالة هيستيرية، قبل أن يجري اقتياده إلى مصلحة الشرطة القضائية قصد التحقيق معه وكشف ملابسات الحادث.
علاقة الشرطي بالمسدس وبالسلاح عموما، تبدأ حسب هشام بالمعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة، حيث يتعلم رجال الأمن خلال آخر شهرين من التكوين فنون الرماية وصيانة السلاح، حتى يصلوا معه إلى درجة من الاستئناس:«كتولي بحالا هاز معاك ستيولو ولا تيليفون » يصرح هشام، الذي كان ينتابه نوع من توجس بالمعهد عند بداية حمله للسلاح. توجس سرعان ما اختفى بعد التكوين، لكنه عاد ليطفوا على السطح مجددا ويضاعف اليقظة مباشرة بعد تعيينه مؤخرا بعد التخرج، حتى أنه ابتاع خزانة مصفحة تفتح بأرقام سرية يخفي داخلها سلاحه، بهذه الطريقة أصبح هشام نوعا ما يأمن على سلاحه الوظيفي من الضياع، فضياعه يعني نهاية لحياته المهنية:«ودابا مبقيتش مبرزط كيما كنت، على الله نتكافاو غير مع الصداع الآخر ديال الخدمة!».
أنس بن الضيف/محمد كريم كفال


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.