بإقليم أزيلال. هذه الرقعة الجغرافية المهمشة، ذات المؤشرات السوسيو اقتصادية الأكثر تعبيرا عن الفقر، تمت ومنذ عقود المئات من الزيجات القاصرة ... في جماعة آيت عباس إكمير، لايزال زواج القاصرات، يعد عقدا أخلاقيا بين الآباء والأزواج، فمعظم الزيجات يقررها الآباء ويبررونها بالفقر . «البنت راه إلى وصلات 18 سنة تتولي شارفة وحتى واحد ماغادي يقبلها»، يقول محمد رجل مسن من نفس البلدة الأكثر الجماعات فقرا بالإقليم.«الآباء يزوجون بناتهم في سن مبكرة لأنهم يعيلون أبناء آخرين» يضيف محمد ذاته . لكن بالنسبة الدولة لاوجود لتلك الزيجات بما أنها لاترد في أية وثيقة رسمية: أي أن الزواج العرفي ليست له أية قيمة قانونية. جميع دواوير آيت عباس، تعاني الظاهرة، مما يضاعف المآسي كما يشهد بذلك السكان الذين قابلناهم. حليمة التي تزوجت بدون عقد مكتوب في 13 من عمرها تحمل رضيع يبلغ 20 يوما بين دراعيها. زوجها يشتغل في مراكش ولاتراه إلا خلال العطل . فاطمة البالغة 16 سنة أخبرتنا أنها تعرضت لزواج الغصب وبدون عقد . أما عائشة 20سنة وأم لطفل في الخامسة، فقد طردت من بيت الزوجية بعد طلاق عرفي ورفض زوجها الاعتراف بابنه . “بناتنا لايذهبن إلى المدرسة ويتم تزويجهن في سن13و14 “. يؤكد محمد خربيش ( 53 سنة) فلاح وأب لخمسة أبناء، ومناضل منذ خمس سنوات من أجل القضاء على الزواج العرفي في منطقته من خلال ترؤسه لجمعية محلية تهتم بمحاربة الزواج العرفي وزواج القاصر، ويشارك في كل قوافل التوعية التي تنظمها مؤسسة يطو في أماكن أخرى من المغرب من أجل إسماع صوته. هذا الفلاح يربط الظاهرة بالتهميش والحيف الذي عوملت به بلدته «بناتنا يستحقن مصيرا أفضل من هذا... وعلى الدولة أن تهتم بهذه المناطق المنسية ، من خلال إنشاء مشاريع اقتصادية كي يعدل الآباء عن التخلص من بناتهم بأبخس ثمن». يشرح العسري ملقيا الضوء على زاوية أخرى ... نبتعد عن أزيلال وننتقل إلى إقليم ميدلت ذو البيئة التضاريسية المشابهة ، بهذا الإقليم، تحكي طفلات صغيرات وطليقات في العقد الثاني من عمرهن، كيف انتقلن إلى بيوت أزواجهن دون أن يكن مدركات أن الأمر فعلا له علاقة بتكوين أسرة. كان الرحيل إلى بيت الزوج بالنسبة إليهن مجرد انتقال للعيش في بيت آخر يملك فيه الرجل كل شيء . وقائع غريبة تحكي عن طفلة لم تمض سوى 24 ساعة في بيت الزوجية وطليقات في عمر الزهور، ورجال تزوجوا بأكثر من طفلة .حكايات تشرح أسباب تزويج الطفلات مبكرا في القرى المعزولة بالجبال... الدخلة على عشرة سنوات بأنفكو وتيرغيست وتيغدوين وأغذو وتمالوت... عزلة المنطقة جعلت الأعراف التقليدية التي تقنن العلاقات الاجتماعية لم تتغير قيد أنملة منذ غابر الأزل. على رأس تلك الأعراف نجد زواج القاصرات، الذي لايزال سائدا. هنا لاوجود لمدونة الأسرة التي تم تفعيل مقتضياتها في سنة 2004. بل أن المصطلح في حد ذاته لايعني شيئا للنساء والفتيات المحرومات من أدنى حقوقهن. استمرار زواج القاصرات مرتبط ارتباطا وطيدا بالجهل، فهو يخص بالدرجة الأولى الفتيات غير المتمدرسات، ذلك أن دوار أنفكو يضم حالي 300أسرة أغلبية بناتها لايذهبن إلى المدرسة، ويتم تزويجهن في سن السادسة والسابعة والدخلة تكون في العاشرة والحادية عشرة ... غير أن غياب المراقبة فيما يخص السن القانوني للزواج ، يعني غياب الحماية القانونية في حال الطلاق.. في أنفكو، وقفنا على عدد كبير من الفتيات المطلقات اللواتي يتعذر عليهن إيجاد زوج جديد، مما يفتح الباب على مصراعيه لشتى أنواع الاستغلال. التسول والدعارة... على الجهة الأخرى اعترفت شهادات عديدة لرجال مارسوا الزواج العرفي عشرات المرات كوسيلة لتغيير الشريكة بشكل مشروع عرفيا. لم يكتب لفاطمة ذات الثلاثة عشر سنة، أن تنعم بطفولة هادئة، مثل باقي أطفال المغرب، فالعرف اغتصب طفولتها مبكرا، حينما زوجتها أسرتها منذ سنتين بالفاتحة وعمرها بالكاد 12سنة وثلاثة أشهر. بيد أن هذا الزواج الإجباري، لم يدم طويلا ، ففاطمة لم تقض مع الزوج سوى سبعة أشهر لتجد نفسها مطلقة. لم تكن حالة فاطمة إلا نموذجا لحالات كثيرة شبيهة بمصيرها. وهي التي ولدت في بيت توزج فيه الوالد ثماني طفلات بالفاتحة في سن ابنته وطلق سبعة منهن، ويعيش الآن مع الثامنة. وضع عادي هنا بمنطقة أنفكو وترغيست وتغدوين وأنمزي وتامالوت وآيت مرزوك بإقليم ميدلت. يجهل السكان بهذه القرى الجبلية المعزولة كل ماله علاقة بالقانون . بالنسبة إليهم فإن زواج الفتاة يتم فقط بقراءة الفاتحة في بيت أهلها، وعندما يتم الطلاق فإن الزوجة الطليقة تعود بمفردها إلى بيت أهلها هي وأبناؤها لتنتهي كل علاقة بينهما. حرمت حادة ذات العشرين سنة والأم لطفل عمره عشرة أشهر، من اللعب مبكرا، عندما زوجت عن عمر 11سنة بالفاتحة. لكن زواجها لم يعمر طويلا، فأربعة وعشرين ساعة بالتمام والكمال هي المدة الزمنية التي قضتها في بيت زوجها الذي يكبرها ب13 سنة. كذلك حكت وطفلها على ظهرها . ستحتم عليها الأقدار الزواج مرة ثانية وهي قاصر عن سن 14 سنة. هذه الزيجة أثمرت طفلا سمته عمر أكمل الآن سنته الثانية. أما حليمة ذات الأربعة وعشرين سنة فلم يمنع صغر سنها من الزواج والطلاق ثلاث مرات، لتتزوج زيجة رابعة بسعيد الذي يكبرها ب12 سنة . الزوج الأخير أنجبت منه بنتا وتنتظر منه مولودا ثانيا. تحت جدع شجرة صفصاف جلست عائشة وطفلها وزوجها ووالدها، هذه الزوجة تقطن بدوار أنمزي على بعد 24 كلم من أنفكو . لاتتحدث سوى الأمازيغية، يتدخل زوجها الشاب فينقل تصريحاتها بالعربية «تزوجت عائشة التي تقطن عائلتها بدوار أغدو، دون السن القانوني بالفاتحة، وتتوفر فقط على كناش الحالة المدنية». ويضيف الزوج زايد (28 سنة) ، بأنه «لم يكتب العقد مع زوجته، لأنه في الوقت الذي ذهب ليتزوجها وجد عمرها 13 سنة، فرفض الزواج منها بسبب سنها الصغير، وتنبه مبكرا للعواقب والمشاكل التي ستحدث عن هذا الزواج مستقبلا ، لكن والدها حرص على زواجه منها من خلال الزيادة في عمرها»، هكذا اشتكى زايد الذي التحق من دوار أنمزي بأنفكو بإحدى القوافل التي تنظمها جمعية يطو كي يسوي وضعية أسرته. ثم أضاف وعيناه قد اغرورقتا بالدموع، وهو يمسك طفله بين ركبتيه «هذا المشكل ينغص علي حياتي و لاأنام بسببه». وعندما طرحنا السؤال على عائشة التي كانت تبدو عليها علامات الخجل بسبب وجود والدها وزوجها، أجابت بكل بساطة «هكذا عندنا» . من آيت مرزوك وحدها سجلت ما يفوق 12 زيجة بالفاتحة لفتيات تقل أعمارهن عن 20سنة. يلتحفن ملاحف ويلففن رؤوسهن في مناديل، وينتعلن جوارب وأحدية مطاطية . لأول مرة يشاهدن وجوههن في الصور. ارتسمت على محياهن فرحة كبرى حينما التقطت لهن صورا وأطلعن عليها. دوار آيت مرزوك المحسوب على جماعة أنمزي، لايتوفر على مسلك طرقي معبد وتعزلهم الثلوج لشهور، يقضين اليوم في رعي الماعز والبحث عن الكلأ والحصاد..تعلق إحدى النسوة وهي تتمعن صورتها على جهاز آلة التصوير. إحدى هؤلاء النسوة كانت تفوقهم عمرا ( 27 سنة) متزوجة منذ عشر سنوات دون توثيق ولها ثلاثة أطفال أكبرهم عمرها سبع سنوات لايتوفرون على عقود ازدياد. يبرر عثمان (27 سنة) وزوجته ذات 16 ربيعا التي تزوجها منذ خمسة أيام فقط، تجلس بجانبه ملتحفة بلحفاف حانية الرأس، أسباب لجوئه للزواج من طفلة قاصر «والدتي توفيت وخطيبتي من العائلة ولي أربعة إخوة صغار، ولايوجد من يهتم بشؤونهم، فتزوجت برشيدة وهي التي تساعدهم». قبل أن يضيف ، «والدها بدوره لم يسجلها في الحالة المدنية في الحين، وذلك بسبب غياب الطريق». يصمت ثم يضيف «سيرفع دعوى قضائية لدى المحكمة للزيادة في عمرها». دخلت نصيرة قفص الزوجية منذ خمسة أيام عن عمر15 سنة، عريسها يكبرها بتسع سنوات «السكان هنا لازالوا فقراء، ثم أن البنت الصغيرة تبدو جسديا وكأنها كبيرة في السن فتتزوج مبكرا». هكذا قال زوجها مبررا سبب زواجه بفتاة قاصر. حفيظة فاظمة تودة... والأخريات إذا كانت أنفكو تشكو من العزلة فمابالك بتاملوت القرية المختفية في جبال الأطلس المتوسط، التي تبعد عن أنفكو ب17كلم. تزوجت تودة في سن 15 زواجا بالفاتحة. «لقد فقدت جنيني وأنا حامل في شهري الثالث، أخبرني الطبيب حينها أنني لم أكن أستطيع الإنجاب آنذاك لأن رحمي كان لايزال صغيرا، أضف إلى ذلك أننا مجبرون هنا على العمل الشاق في الحقول من أجل كسب قوتنا اليومي». هكذا صرحت تودة في شبه شكوى وتدمر. في هذا الدوار زواج القاصرات هو القاعدة . حفيظة 13 سنة وفاطمة 12 سنة وأخريات عديدات، كلهن مطلقات. يؤكد شبان الدوار على أن التقاليد توجب الزواج العرفي ثم مغادرة الزوجة أياما قليلة بعدها «إنها سنة الرسول (!)، نتزوج ثم نطلق، أما من كان يرغب في المكوث مع الزوجة نفسها، فلا مانع من الزواج منها مرة ثانية». هكذا شرح لنا بعض الشبان الوضع بقريتهم الذي يعتبرونه طبيعيا. موضحين أن « الطلاق لايستدعي إلا حضور شاهدين ...وإن شهادة الأطفال كافية...». زعيم إجماعن هناك شخصيات قد يكون لها تأثير بالغ سواء كان سلبيا أو إيجابيا، في الدواوير المعنية بظاهرة زواج القاصرات . وفي هذا الإطار يأتي كبير القبيلة أي رئيس مجلس الجموع ( أو زعيم إجماعن باللهجة الأمازيغية)، ومن الأفضل كسب تعاطف شخصية كهذه وإلا باءت أي محاولة بالفشل. في أنفكو الشيخ باسو حيان ( 58سنة) هو الذي يتولى تدبير القضايا الجارية، إذ قرر الشيخ مثلا مقاطعة عائلة معينة بسبب خروجها عن النظام القائم، تضطر القبيلة جلها الامتثال إلى أمره. «الأمور هكذا». يشرح بعض شباب أنفكو. يدعي الشيخ باسو أنه لايتفق مع الزواج العرفي، لكن أبناءه تزوجوا على هذا المنوال. يحكي لنا من داخل خيمة للتحسيس بتوثيق عقود الزواج قامت بها ييدوار مؤسسة يطو، أن «المنطقة عرفت زواجا جماعيا سنة2008 تم فيه عقد قران 94 فتاة تتراوح أعمارهن مابين 7سنوات و17سنة . هذه تقاليد نمتثل لها منذ قديم الأزل، فإذا بلغت الفتاة 14سنة من دون أن تجد زوجا ، يعتبر المجتمع أنها قد انتهت الأمور، هكذا عندنا، الفقر هو الذي يدفعنا إلى تنظيم مثل هذه المناسبات، علما أن الفتيات لايلتحقن بأزواجهن إلا في وقت لاحق. أي في سن14أو 15′′. يوضح باسو وهو يجلس على كرسي بجوار نجاة إيخيش . الكبيرة ثعبان