يوم الأحد 23 دجنبر بداية أخرى لجماعة العدل والإحسان، فلسنوات وهي تتمسك بمثاليتها وتطرف مواقفها، لكن بعد أن تم انتخاب قائد جديد لها ستتتغير الكثير من الأمور داخلها، وإن شاءت التغيير في ظل الإستمرارية بالإحتفاظ بصفة المرشد عام للجماعة للشيخ ياسين، ومنح محمد العبادي ربان سفينة الجماعة الجديد صفة «الأمين العام». الأمين العام الجديد لن تكون صلاحياته شبيهة بتلك التي تمتع بها الزعيم الروحي الراحل الذي كان كما تسميه أدبيات الجماعة «مربيا وموجها وداعيا»، لكنها ستكون تدبيرية للشأن الروحي داخل الجماعة والمسؤول الأول عنها، وإلى جانبه الناطق الرسمي باسم الجماعة فتح الله أرسلان الذي أصبح نائبا للأمين العام ستكون مهمته تدبير الشؤن السياسية للجماعة. تطرف في المواقف والتزام بعدم تطرف الأفعال بعد وفاة الشيخ ياسين حرصت الجماعة على التأكيد أنها ليست تلك الحركة الدينية الصوفية فقط، بل أنها حركة سياسية تهدف إلى ما تسميه «تحرر الإنسان من القيود المكبِّلة ويقتحم العقبة التي تحول دون تنسمه عبق الإحسان، والعبودية لله، ونسيم الحرية والكرامة» وأيضا «مغرب الحرية والكرامة والعدل والاختيار الحر للحاكمين ومحاسبتهم، والتداول الحقيقي على الحكم، والفصل بين السلط». تصريح «خليفة» ياسين، كشف أن الجماعة لن تتخلى عن تطرف مواقفها، لكنها تقول إنها لن تربط تطرف القول بتطرف الفعل، و كما قال الأمين الجديد بأنها «ستحرص على لاءاتها الثلاث: لا للعنف بأنواعه اللفظي والفكري والفعلي وذلك بالتدافع السلمي، ولا للسرية وذلك بالوضوح والمسؤولية ولا للتبعية الخارجية وذلك بالاستقلالية في التصور والمنهج والأسلوب والتدبير والموقف السياسي». رغم أن الموت غيب عبد السلام ياسين عن الجماعة، لكنه سيظل حاضرا روحيا وتنظيريا، فالأمين العام الجديد هو استمرار له، وسيشتغل بجانب قيادات أجهزة الجماعة أي عبد الكريم العلمي رئيس مجلس الشورى الذي أسس قبل عشرين عاما إبان خروج مجلس الإرشاد من السجن عام 1992، وفتح الله أرسلان، نائب الأمين العام والناطق الرسمي باسم الجماعة، وعبد الواحد المتوكل رئيس الدائرة السياسية. لكن الأكيد أن رحيل عبد السلام ياسين سيخلص الجماعة من البعد الغيبي كما تجسده رؤي الأحلام في صياغة مواقف الجماعة وتوقعاتها السياسية، لكن ذلك سيفتح بابا اخر، فالغيبيات التي كانت وسيلة لتعبئة الجماعة وخلق اللحمة الداخلية بين أعضائها، ستفرغ المجال لتنافس الطموحات وللخلافات الداخلية التي تعيشها باقي الأحزاب السياسية وتجد طريقها إلي العلن. من التنظيم الصوفي إلي التماهي الحزبي باحداث منصب الأمين العام تكون الجماعة قد وضعت أرجلها نحو تأسيس تنظيم سياسي وإن مارست السياسة منذ سنوات تحت عباءة الدين، وهو كما قال رئيس مجلس الشورى في ندوة الإعلان عن الزعيم الجديد للجماعة أن « لفظة «الأمين» هي من المشترك بين الهيئات والمنظمات والأحزاب». وكشفت أنها ستسعى للتعاون مع من تسميهم «الفضلاء والغيورين على البلاد» بهدف «صياغة ميثاق تسطر فيه الأهداف والوسائل لمناهضة الظلم والفساد والاستبداد لبناء مغرب العدل والأخوة والحرية والوئام». ليست مسألة المشاركة أو عدمها في المؤسسات هو المحك المستقبلي للجماعة فقط، لكن التحدي بالنسبة لها هو الديمقراطية الداخلية، فقبل موت عبد السلام ياسين لم يكن أحد من أعضائها قادرا على النقذ أو ابداء الرأي المعارض والمخالف، ذلك ما حدث للبشيري محمد الذي استقال من الجماعة، ونفس الأمر حدث مع عبد العالي مجدوب الذين تم تعيينه مكانه في مجلس الشورى، لكن معارضته لنجلة الشيخ نادية ياسين كانت السبب في اقصائه من المجلس المذكور وانسحب منها بعد أن تبين له أن «المكاشفة والصراحة لا تصلح داخل جماعة العدل والإحسان» وبعد أن أحس أنه منبوذ من طرف أعضائها ومهمشا من طرف قياداتها. لذلك قدم استقالته سنة 2007 منها، وكان لاذعا في هجومه على الجماعة مؤخرا حين قال «في تقديري أن من التطرّف الذي لا خيرَ فيه أن تظلَّ جماعة العدل والإحسان تعالج أوضاعا مُستحدَثة، كالأوضاع الجديدة التي أنتجها الربيعُ العربي، بأدواتٍ واجتهادات تبلورت منذ أكثر من ثلاثين سنة، والتي لم تَعُد صالحة، في بعض جوانبها على الأقل، للنظر للقضايا الراهنة التي نشأت في سياقاتٍ وملابسات وظروف هي غيرُ السياقات والملابسات والظروف التي كانت سائدة قبل ثلاثين عاما». القيادي السابق في الجماعة كشف أيضا أن «الجماعة لا تحترم القواعدَ والمبادئ المعروفة والمطلوبة في العمل السياسي، الذي هو عملٌ يقوم، في أساسه، على اعتبار متغيرات الواقع، والموازنة بين المصالح والمفاسد، والنظر إلى المآلات». بل انتقذ أطروحة اشليخ ياسين حين قال إن « هذه الأطروحةُ التي انتهى إليها اجتهادُ عبد السلام ياسين في السبعينيّات من القرن الماضي، والتي كانت وليدةَ ظروف وأحوال أحاطت وقتئذ بصاحبها المجتهدِ، لم يَعُدْ لها من مسوّغ الآن بعد أن تغيرّت الظروفُ والأحوال تغيّرا كبيرا، ولم يَعُد الطريقُ سالكا إلى القومة الإسلامية، كما نظّر لها الأستاذ ياسين، وهي القومة/الثورة التي من أهدافها القضاءُ على النظام الجبري ، لبناء الدولة الإسلامية القطرية تمهيدا للسير نحو الخلافة الثانية على منهاج النبوة». حتى وإن استحدتث الجماعة من قبل الدائرة السياسية وأصبح لها أمين عام، فإن تحولها إلي تنظيم سياسي سيسرع بظهور تناقضات في بنيتها التنظيمية وحتى في أطروحتها، و بعد وفاة الشيخ ياسين ستدخل الجماعة منعطفا حاسما في مسارها، وستجد نفسها أمام العمل بجناحين الدعوي والسياسي، ويبدو أنها بدأت تعد العدة لاقتحام المجال السياسي من داخل المؤسسات بعد أن تتحول دائرتها القطرية إلى حزب سياسي يستغل ما راكمته الجماعة في الشارع رغم حظرها القانوني.