سجّل سعيد الكحل، الكاتب والباحث في الحركات الإسلامية، ثمانية ملاحظات ترتبط بإعلان انتخاب محمد عبادي أمينا عاما لجماعة العدل والإحسان من طرف مجلس شورى الجماعة، الأولى تتمثل في إقرار مجلس الشورى بأن مرتبة الشيخ ياسين لن يبلغها أحد من أعضاء الجماعة، لهذا لن يحمل أحد لقب المرشد، وهذه إشارة واضحة يضيف الكحل إلى أن من سيتولى تسيير الجماعة سيظل محصورا فيما سطره الشيخ المرشد ولن يزيد عنه أو يغير". وكان مجلس شورى جماعة العدل والإحسان قد انتخب محمد عبادي أمينا عاما للجماعة، وفتح الله أرسلان نائبا له لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد، في وقت قرر المجلس الاحتفاظ بلقب المرشد العام للشيخ الراحل عبد السلام ياسين، وهي القرارات التي تم الإعلان عنها في ندوة صحافية عقدتها الجماعة عصر أمس الاثنين في مقرها المركزي في سلا. التحول إلى هيئة سياسية وأكد الكحل في ملاحظته الثانية بأن "اختيار صفة ومنصب الأمين العام بدل مرشد الجماعة هو وفاء للبعد الروحي لشخصية المرحوم عبد السلام ياسين، وأن الأمين العام يفتقر لهذا البعد في تجلياته القصوى"، لافتا إلى اقتصار بيان مجلس شورى الجماعة على صفتين نعت بهما السيد عبادي وهما "الداعية" و "المجاهد"، فالسيد عبادي لم يبلغ مرتبة المشيخة الربانية التي بلغها الشيخ ياسين" وفق تعبير الكحل. وأردف الباحث في ما يخص ملاحظته الثالثة بأن تعيين الأمين العام للجماعة فيه إعداد نفسي وتنظيمي سيظهر أثره على المدى المتوسط لكي يحل الجانب السياسي محل الجانب الروحي، وبالتالي سيَضعف الأخير أمام الأول، وستكون هذه بداية تحول الجماعة إلى هيئة سياسية يغلب عليها الانشغال بالأمور السياسية أكثر من الجانب الروحي". واستطرد المحلل متطرقا إلى ملاحظته الرابعة بأن بيان مجلس شورى الجماعة يشير إلى قضية أساسية ستحكم توجه الجماعة واختياراتها مستقبلا، وهي "السعي الموصول لتكون الجماعة ملاذا سياسيا وأخلاقيا"، فالبيان غيّب البعد الروحي وغيب الإشارة إليه، وإن أكد على "التمسك والوفاء للمبادئ التي قامت وتأسست عليها جماعة العدل والإحسان"، فهذه العبارة لا تحيل بالضرورة على الجانب الروحي" وفقا لرأي الباحث. وفيما يتعلق بالملاحظة الخامسة حول تعيين عبادي أمينا عاما للجماعة، أفاد الباحث في الحركات الإسلامية بأن تخصيص منصب الأمين العام هو تأسيس لربط المسئولية بالمحاسبة، وهذا مدخل ضروري لإخضاع منصب الأمانة العامة لمبدأ التداول والتنافس اللذين يستدعيان تعطيل العمل بقاعدة الفاضل والمفضول. ويشرح المتحدث: "الأمانة العامة، بعد ولايتين على أبعد تقدير، أو وفاة السيد عبادي ستعرف منافسة شديدة بين التيار المحافظ والمتشدد الذي يصر على مقاطعة الناظم ورفض الاشتغال من داخل مؤسساته، وبين تيار التغيير الذي يقبل بمصالحة النظام والانخراط في العمل السياسي الرسمي، وهذا التنافس سيؤثر على وحدة الجماعة ومواقفها" حسب توقعات الباحث. سقف مطالب منخفض ولفت الكحل في الملاحظة السادسة إلى كون البيان ذاته غابت عنه الإحالات الدينية بحيث لم ترد الإشارة إلى النظام السياسية كنظام عض وجبر، ولا الإشارة إلى الوعد الإلهي بالنصر أو الوعد النبوي بعودة الخلافة على منهاج النبوة، فهو بيان سياسي كما لو أنه صادر عن حزب سياسي وليس جماعة يمثل الروحي والدعوي جوهرها. واسترسل المحلل بأن البيان لم يبشر بأفول النظام ولا دعا إلى العمل على تغييره، بل اكتفى بإعلان"التمسك بخيار المقاربة الجماعية مدخلا لتغيير الأوضاع المتردية بالبلد، ويدعو إلى تضافر جهود كل القوى الحية والمخلصة في هذا الوطن الحبيب من أجل التأسيس الجماعي لمغرب جديد، مغرب الحرية والكرامة والعدل والاختيار الحر للحاكمين ومحاسبتهم، والتداول الحقيقي على الحكم، والفصل بين السلط"، ولو كان الشيخ ياسين حاضرا لكانت للبيان أبعاد ودلالات أخرى تمس النظام في جوهره وليس في أعراضه. وفي ختام ملاحظاته الثمانية قال الكحل إن مجلس شورى الجماعة يعيد الرهان على "كافة القوى الفاعلة" من أجل " فتح نقاش وحوار مجتمعي مسؤول واستثمار أجواء الربيع العربي التي منَّ الله بها على أمتنا من أجل رسم خارطة طريق لمناهضة الاستبداد ومحاربة الفساد، وبناء مغرب الكرامة والحرية والعدالة الذي يتطلع إليه شعبنا الأبي". وأبرز الباحث بأن المجلس، في هذه الحالة، يرسل رسائل إلى من يهمهم الأمر أعضاء الجماعة ،حركة 20 فبراير، الأحزاب، النظام ؛ مفادها أن الجماعة ستخفض من سقف مطالبها وستنسجم مع مطالب الشارع المغربي المتمثلة في محاربة الاستبداد والفساد وتحقيق الكرامة والحرية والعدالة، بعيدا عن مطالب إلغاء الدستور وتشكيل لجنة تأسيسية لوضع دستور جديد" بحسب رأي الكحل.