وقف على بعد خطوة من عتبة براكته. نظر إليها نظرة الوداع قبل أن تهوى عليها معاول الهدم. ابتعد بتثاقل وانكسار مديرا ظهره إلى جوقة من رجال السلطة وأعوانهم. اندس بين حشود المتجمهرين من الجيران والفضوليين، كأنه يختبئ من قدر لا مفر منه. لم يطل انتظاره لرؤية أسوأ لحظة في حياته. بدأ مسكنه العشوائي يتهاوى تحت ضربات الذراع الفولادي المتحرك لجرافة صفراء. تحولت إلى حطام في دقائق معدودة الجدران الإسمنتية وألواح القصدير والخشب. «مول الدار اللي رابت» أحد قاطني كاريان السكويلة بسيدي مومن بالدارالبيضاء. كان شاهدا صباح أول أمس الخميس على عملية هدم مجموعة من البراريك ببلوك 1. انطلقت العملية في حدود العاشرة صباحا تحت زخات المطر. توجهت جرافات وشاحنات السلطة المحلية عبر شارع أهل الغلام. سبقتها إلى عين المكان تعزيزات أمنية تتكون من سيارات مصفحة للقوات المساعدة والشرطة. تتقدمهم كتيبة من رجال السلطة والمقدمين وموظفين من مصالح الشؤون العامة بعمالة البرنوصي. سيج محيط بلوك 1 بكاريان السكويلة بشريط أشبه بالمعمول به في «مسرح الجريمة». منع على المتحلقين لمتابعة أطوار إزالة حوالي 15 مسكنا عشوائيا من الاقتراب أو التقاط أي صور بواسطة الهواتف المحمولة. كان مخبرو السلطة في كل ركن وزواية يراقبون سكنات وحركات السكان وهم يتألمون لمشهد «الترياب». عامل المنطقة قام هو الآخر بزيارة خاطفة إلى الموقع للاطمئنان على أن الأمور تتم بدون مشاكل. أخذت عملية الهدم منذ انطلاقها في صباح الخميس 29 نونبر المنصرم إلى غاية السادسة مساء، تسير بحزم دون أن تلقى أي صد واضح من أصحاب البيوت المستهدفة. مصادر جمعوية فسرت مرور عملية الهدم بلا اصطدمات بلجوء السلطة المحلية إلى أسلوب «دبلوماسي» لإقناع قاطني الكاريان بالرضوخ إلى الأمر الواقع. هناك قرار لا رجعة فيه كسح ما تبقى من الدور الصفيحية ببلوك 1 من أجل إفراع الوعاء العقاري، الذي ستهيئه مؤسسة العمران وتجزيئه إلى بقع أرضية مخصصة للمستفيدين من مشروع إعادة الإسكان. عند كل عملية هدم براكة كان رجال السلطة وأعوانهم يتفاوضون مع السكان المعترضين، حيث قدموا لهم وعودا شفوية بحل مشاكلهم العالقة وتلبية طلباتهم بالاستفادة من نصيبهم في أقرب الآجال. المرحلون ب«خاطرهم أو بزز»، حملوا صاغرين أثاثهم المنزلي، وبدأو في البحث عن مأوى للكراء يلملم شتاتهم ويقيهم من برد فصل الشتاء. عمليات الهدم التي تمت بحزم ووسط تعزيزات أمنية كبيرة، تمكن المشرفون عليها من قياد ومقدمين وموظفين وبمساعدة عمال وجرافات وشاحنات من إزالة نصف ما تبقى من براريك بلوك 1 بكاريان السكويلة. وصفها متابعون لشأن عملية الترحيل وإعادة الإسكان أنها حلقة من سلسلة لحملات الهدم، بدأت منذ أكثر من أسبوعين بإزالة حوالي 30 براكة ببلوك 6، وستستمر بهذه الوتيرة للقضاء نهائيا على الدور الصفيحية المنتشرة بكل من بلوكات 2 و3 و4، حيث أشعرت السلطات المحلية السكان المعنيين منذ مدة. إشعار كان هذه المرة جديا قولا وفعلا، والبقية آتية لا محالة في الأيام المقبلة.