خيام منصوبة انتشرت في الخلاء غير بعيد من المعرض الدولي للدار البيضاء، ومساكن خشبية لا يتعدى طولها قامة بشرية، زادها طولا أطباق هوائية علقت في أعلى نقطة في البناء، حيث تبدو صومعة مسجد الحسن الثاني شامخة في السماء، في منظر يحفل بتناقض صارخ. المطر الذي باغت سماء الدارالبيضاء يوم عيد الأضحى وحول شوارعها وحفرها إلى برك مائية، جعل سكان الدور الآيلة للسقوط بالمدينة القديمة يغلفون مساكنهم المؤقتة بأغطية بلاستيكية مختلفة الألوان لتقيهم من البلل ولو نسبيا، بعدما انضاف إلى أسرهم وافد جديد: كبش العيد الذي شارك السكان مرارة العيش بعيدا عن مساكن تحميهم تقلبات الجو. بين جنبات الأكواخ الخشبية التي ابتدعها سكان المدينة القديمة المرحلون إثر سقوط منازلهم، فضل مجموعة من الأطفال التحلق حول كبش العيد واللعب معه، ومشاركته اللحظاته الأخيرة قبل ذبحه، فيما فضل بعض السكان الاحتفاظ بكبش العيد داخل مساكنهم الضيقة وتدبر أمرهم وإيجاد ركن له يأويه، وافتراش بعض الألواح الخشبية ، ووضع أغطية بلاستكية سميكة تقي كبش العيد من ماء المطر، في انتظار وصول الأب أو الأخ من صلاة العيد، لبدأ عملية الذبح. «هانتا كشتوف أخويا!، مكرفسين أو مكرفسين حتا البهيمة!» بنوع من الأسى يصرح محمد أحد ساكنة الدور الآيلة للسقوط، الذي فلت بجلده رفقة أسرته من انهيار مفاجئ لمسكنه بحي المعيزي، افترش غطاء بلاستيكيا على الأرض وقام بذبح كبش العيد عليه، على أن يتخلص من دماء الكبش والغطاء معا في «البركاصة» التي لا تبعد سوى أمتار معدودة عن المساكن، يبرر ذللك ب«الذبان قاتلنا هنا، إلا مدرناش هاكا، غيمرضوا لينا الدراري الصغار!». وعي صحي بمخاطر مخلفات الأضحية على السكان تجلى عند جميع السكان، من بينهم عبد السلام الذي انتقل بكبش العيد إلى الأزقة الضيقة للأكواخ والخيام، وافترش له بدوره «باش» أزرق اللون وقام بذبحه بمساعدة صديقة وجاره حسن، قبل أن ينقلا «سقيطة» الخروف» إلى باب الكوخ الخشبي، بعد أن غسلا رقبته من الدماء جيدا، لبداية لسلخ «البطانة» عن اللحم، وتعليقه في دعامة تمت الإستعانة فيها بسلم من الألمنيوم، وتثبيته بأحجار ثقيلة، حيث تحلق الجاران رفقة شاب يافع حول «السقيطة» وشرعوا في سلخه جلدها بدقة متناهية، قبل أن يكثفوا مجوداتهم ويسرعوا في العملية بعد أن داهمتهم قطرات ثقيلة من المطر، قبل أن يعمدوا إلى وضع غطاء بلاستيكي على شكل سقف لتجنب مياه الأمطار، وتفادي فساد لحم الأضحية، في وقفت زوجته الحامل على مقربة منهما تشاهد عملية السلخ. لم يمنعها حملها في شهوره الأخيرة من مد يد العون لزوجها وابنها وتزويدهم بالماء في انتظار استخراج «دوارة» الكبش وغسلها. بعض السكان لم يجد بدا من الإستعانة بباب الكوخ كدعامة لتعليق «الحولي» وبداية سلخ جلده، على مرأى ومسمع كبش أخر، وهو يرى منظرا غير معتاد عليه، فيما كانت ربات البيوت تعمل على تنتظيف محيط الباب من الدماء أو تغطية «السقيطة» من قطرات المطر. «كاين الفرق بزاف، العيد فدارك هو العيد فالزنقة!؟، حنا دابا بحالنا بحال المشردين!» تصرح زهرة، وهي تصف أجواء العيد بأكواخهم التي بنوها بأنفسهم، وتعقد المقارنة بين أجواء العيد في مساكنهم السابقة التي فعلت عوامل الدهر فيها فعلتها، وجو العيد اليوم، في مساكن لا تليق بالآدميين: «اللي ساكن في الكاريان ياك عشوائي، حسن منا!!»، لم يوقف شكواها سوى زوجها الذي أحضر الأضحية رفقة جاره يحملانها بعد أن ذبحها، وقاما بتعليقها على دعامة خشبية توسطت كوخ الأسرة الخشبي، ثم بدأ عملية السخ، أمام مرأى من ابنتها الصغيرة. عملية انخرطت فيها زهرة بحماس، وأمسكت سكينا صغيرا وشرعت في سلخ جلد أضحيتها رفقة الزوج والجار، بمهارة تضاحي أكثر الجزارين حرفية، على وقع إيقاع متناغم لقطرات المطر التي تساقطت على سقف الكوخ. عمليات سلخ الأضاحي كانت تتم بسرعة فائقة، الكل كان يخشى أن «يبرد الحولي»، وفي حدود الساعة التاسعة والنصف كان أغلب منكوبي المدينة القديمة قد نحر أضحيته، فيما شرع بعض الشباب في «تشويط» رؤوس الأضاحي على مقربة من أكواخ وخيام السكان، بعد أن اطمئنوا إلى توقف المطر ولو مؤقتا، في انتظار أن تكسر أشعة الشمس تلبد غيوم سماء المدينة القديمة. أجواء عيد الأضحى واحتفاليته الباهتة والطقوس التي رافقته لم تمنع السكان المنكوبين من التعبير عن تذمرهم من الوعود الكثيرة التي تلقوها من أجل إعادة إيوائهم بمساكن تحترم كرامتهم، بعد أن جاوروا المزابل والكلاب الضالة رغما عنهم، في انتظار ترحيل قد يأتي أو لا يأتي. أنس بن الضيف