في تقريره السنوي، الذي قدمه إلى جلالة الملك الجمعة الماضية، توقف مجهر المجلس الاقتصادي والاجتماعي في تقريره لهذه السنة، عند عدة نقط في مجالات متعددة ليسبر أغوارها ويكشف تفاصيلها بكل وضوح، راسما بذلك صورة سوداء على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، خلال سنة 2011. ففيما يتعلق بهذه الأوضاع، أكد المجلس في تقريره أنه على الرغم من المؤهلات الكبيرة التي يتمتع بها المغرب، فإن لاحظ، في سياق الأزمة العالمية، أن البلاد تواجه مواطن ضعف اقتصادية ومالية قوية متزايدة وتحديات اجتماعية، فوفقا للتقرير، فإن سنة 2011 اتسمت بسياق عالمي مأزوم، مس بقوة أكثر البلدان الأساسية الشريكة للمغرب، ومن تداعيات ذلك وحفاظا على السلم الاجتماعي ، يقول تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي، اتخذت الحكومة مجموعة من التدابير لاستقرار أسعار المواد الأساسية، إلا أن هذه التدابير الظرفية، يضيف التقرير كان لها أثر على عجز الميزانية، الذي بلغ مستوى 6.1 في المائة، مما يصعب تحمله على المدى الطويل. ولتقليص النزيف المتواصل للميزانية، أوضح التقرير أنه جرى تمويل عجزها بواسطة تكوين متأخرات في الأداء يقارب 10 ملايير، مما أثر على خزينة المقاولات واللجوء إلى سوق المناقصات مع ما ينطوي عليه من خطر حرمان القطاع الخاص، بالتالي ارتفعت، حسب تقرير المجلس، نسبة الدين الكلي قياسا بالناتج الداخلي الخام من 50.6 في المائة إلى 53 في المائة، وأصبح مستوى المديونية أكثر ارتفاعا، حيث يضيف التقرير، ارتفع دين المقاولات العمومية المضمون من طرف الدولة في سنة 2011 إلى قرابة 89.3 مليار درهم للدين الخارجي، وإلى 15.5 مليار درهم للدين الداخلي ، فضلا عن ذلك فإن وضعية الحسابات العمومية معرضة للتفاقم بواسطة المطلوبيات الضمنية لأنظمة التقاعد العمومية. أما في ما يتعلق بالميزان التجاري، فقد تفاقم عجزه سنة 2011 بسبب ارتفاع فاتورة الطاقة، ويقول التقرير إنه منذ سنة 2007 لم تعد إيرادات السياحة وتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج تسمح بسد العجز في مبادلات السلع، والنتيجة أن الحساب الجاري لميزان الأداءات سجل عجزا مهما لم تتمكن الاستثمارات الخارجية من تغطيته، وبالتالي أدى ذلك إلى تقلص احتياطات الصرف إلى أقل من 5 أشهر، ممن يمكن أن يشكل خطرا على الاستقرار المالي للبلاد. وكما أرجع التقرير العجز المتواصل للميزان التجاري إلى عدم كفاية التنافسية الشاملة للاقتصاد، فيقول، منذ سنة 2009مكن تشكيل اللجنة الوطنية لبيئة الأعمال من تحقيق بعض التقدم في تحسين مناخ الأعمال، إلا أنه على الرغم من ذلك يبقى المغرب رغم التقدم المحرز في سنة 2011 في المرتبة 94 من بين 183 بلدا، حسب ترتيب ممارسة أنشطة الأعمال «doing business»، للبنك الدولي. أما في ما يخص المستوى الاجتماعي، فقد اعتبر المجلس في تقريره أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وإن شكلت إسهاما في السياسات العمومية، فمع ذلك، ولتعزيز تأثيرها واستمرارية أعمالها، يتعين السهر على التقائية السياسات العمومية على مستوى التراب الوطني وتحقيق التجانس مع المخططات التنموية الجماعية، وأضاف أنه من شأن تملك أفضل لهذه المشاريع من قبل الجماعات الترابية والمستفيدين، وكذلك تمويل ملائم لمرحلة الاستغلال أن يسهم في تحسين الإجراءات المتخذة بخلق الشروط لتيسير بروز مصاحبة أنشطة مدرة للدخل قابلة للاستمرار اقتصاديا. وعلى صعيد التنمية البشرية ، وإن سجل مؤشر هذه الأخيرة، تحسنا بنسبة 2.6 في المائة بين سنتي 2010و2011، حسب لغة التقرير، فإنه رغم ذلك، يبقى المغرب في نفس موقعه لسنة 2009 ، أي الموقع 130. ومرد ذلك، دائما حسب التقرير، إلى التفاوتات المستمرة في ما يتعلق بالدخل، والتربية والصحة في هذا الموشر. تحافظ التنمية في بلادنا على تفاوتات كبيرة الأهمية بين الجهات على مستوى خلق الثروات وتوزيعها . واستنادا إلى معطيات سنة 2009 التي بلورتها المندوبية السامية للتخطيط، أسهمت أربع جهات بواقع 66 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي، وأربع جهات أخرى بنسبة 28 في المائة ، والأربع الأخيرة بنسبة 6 في المائة في حين على مستوى التشغيل الذي يعد من القضايا التي لها ارتباط بحركية الاقتصاد، فعلى الرغم من معدل النمو الملاحظ سنة 2011، يقول التقرير كان العدد الصافي لخلق مناصب الشغل هو 105000 منصب مقابل متوسط للفترة 2000 – 2010 بلغ 156000 منصب سنويا . قرابة 30 في المائة من هذه المناصب غير مؤدى عنها، وقد فقدت الصناعة والفلاحة، علي التوالي 31000 و9000 منصب شغل سنة 2011، مقابل متوسط عشري يبلغ 48000 منصب. ففي تقرير المجلس حول تشغيل الشباب، ذكر بأن معدل البطالة في أوساط الشباب يستقر في حدود 12.9 في المائة للشريحة العمرية 25 – 34 سنة، و 17.4 في المائة للشريحة العمرية 15 – 24. وتصل نسبة البطالة بين الخريجين ما معدله 16.7 في المائة، وترتفع إلى 19.4 لحملة الشهادات العليا. ومناصب للشغل التي يحتلها الشباب هي في الغالب عارضة، وأقل أجرة، ونادرا ما تقوم على أساس تعاقد وتستفيد جزئيا من نظام الحماية الاجتماعية، زيادة على ذلك تبقى بطالة الشباب طويلة الأمد دليلا، إلى حد كبير، على عدم ملاءمة التكوين لاحتياجات عالم الشغل. وفي نهاية التقرير، خلص المجلس الاقتصادي والاجتماعي، إلى أن المغرب وإن كان يتوفر على طاقات هامة وحقق تقدما في مجالات عدة، فإنه مازالت هناك نقط ضعف تدعو إلى زيادة اليقظة وإلى وضع سياسات تركز على تعزيز قيم الموطنة وزيادة التنافسية في الاقتصاد وقدر من العدالة الاجتماعية وتوزيع للتضامن وتحسين الكفاءة، بالإضافة إلىسياسات عمومية تكون أكثر فاعلية واهتمام خاص بالسياسات المتعلقة بإدماج الشباب.