لما سئل حميد شباط، الذي أطاح مساء أول أمس بابن الزعيم علال الفاسي في سباقه على الأمانة العامة لحزب الاستقلال، عن علاقته بمدينة فاس لما انتخب عمدة لها، اختار العودة إلى الماضي ليقدم جوابا مقنعا وقال «لما كنت صغيرا كانت تازة اداريا تابعة لمدينة فاس»، في إشارة منه إلى أنه ليس غريبا عن العاصمة العلمية وبذلك يكون شباط قد خلق الاستثناء في انتخاب الأمين العام لحزب الميران، فهو ليس فاسيا ولا مراكشيا، إنه قروي ينحدر من قبيلة البرانس بنواحي مدينة تازة. رأى الأمين العام الجديد لحزب الاستقلال النور في 17غشت 1953، وبعدما أنهى دراسته الثانوية بمدينة شفشاون في سنة 1970، شد الرحال نحو مدينة فاس، حيث تابع درساته بمعهد التكنولوجيا التطبيقية، الذي تخرج منه سنتين بعد ذلك حاملا لشهادة تقني في الخراطة العصرية، لكن وعي شباط العمالي سيتفتق أكثر لما ولج عالم الشغل كتقني بشركة طكسنور، تم بعدها شركة سميف نهاية سنة 1974، حيث أصبح رئيس مصلحة بها، سنة بعد ذلك، بدأت الأحداث تتسارع في حياة ابن تازة، بعدما وضع أولى خطواه في العمل النقابي بعد انظمامهإلى نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، ومن هنا انطلقت مسار حميد شباط النقابي سريعا، ليصل إلى القمة، فبعد أن أصبح كاتبا عاما لنقابة إحدى المؤسسات الصناعية التي كان يعمل بها سنة 1981، انتخب عضوا بالمكتب التنفيذي للشبيبة الشغيلة في الثمانينات ثم عضوا بالمكتب الإقليمي بفاس للاتحاد، ليتوج مساره النقابي على رأس الاتحاد العام للشغالين بالمغرب ككاتب عام خلال المؤتمر التاسع المنعقد في يناير 2009 بالرباط. ولم يناضل الرجل على الواجهة النقابية لوحدها، فقد كان يخوض نضالا على واجهتين، فإلى جانب العمل النقابي كان لحميد شباط طموحات سياسية، والتي ترجمها إلى انجازات فقد انتخب سنة 1992 نائباً لرئيس جماعة زواغة بفاس، ثم رئيساً لنفس الجماعة سنة 1996، كما انتخب رئيساً لجماعة زواغة الحضرية ما بين 1997 و2003 ثم نائبا لرئيس المجموعة الحضرية مكلف بالممتلكات في نفس الفترة، لينتخب في 23 شتنبر 2003 عمدة للعاصمة العلمية. بعد رئاسته لعمودية مدينة فاس، بدأ اسم حميد شباط يسطع يوما بعد يوم في المشهد الحزبي والسياسي، فقد انتخب عضوا في اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال في المؤتمر الخامس عشر المنعقد يناير 2009، لكن الفترة الممتدة من 1997 إلى 2012٬ سترتفع معها وتيرة الايقاع السياسي التي يسير وفقا لها حميد شباط، ومعها سيزيد من انجازاته الحزبية والسياسية، حيث بالاضافة إلى المناصب التي تقلدها على المستوى المحلي، فإنه لم يبارح مقعده بمجلس النواب، كممثل للأمة عن دائرة فاس منذ سنة 1997٬ وأعيد انتخابه في الاستحقاقات التشريعية لعام 2002 و2007 وفي الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها لعام 2011. غير أنه بالرغم من ذلك، فطموحات شباط السياسية لم تتوقف، ولا يوازيها إلا إصرار ابن قبيلة البرانص على تحقيقها، فبعدما دخل في تنافس قوي مع أسماء وازنة كانت على رأس الاتحاد العام للشغالين الذراع النقابي لحزب علال الفاسي، وتمكن من الاطاحة بها، أعاد حميد شباط نفس السيناريو هذه السنة على الواجهة السياسية، بعدما وضع منصب الأمين العام للحزب نصب عينيه لينطلق في صراع محموم مع عبد الواحد الفاسي، ابن مؤسس الحزب علال الفاسي، أوصله أول أمس الأحد إلى رأس الحزب بعد أن نال ثقة 478 عضوا في المجلس الوطني للحزب متقدما على منافسه ب 20 صوتا. حين أرادت وكالة المغرب العربي للأنباء أن تضع له بورتريه، استرعاها واحد من الانتقادات التي توجه إليه دون أن يقنعها ذلك « البعض يعتبر أن شباط صنيعة الأرقام الصعبة في الحزب٬ التي ساندته حين احتاجت٬ في وقت من الأوقات٬ لرجل يتكلف بالمهام الحزبية التي لا يحبذ أن تتلوث فيها أيادي الكبار٬ غير أن الرجل يصعب حصره في هذا الدور والتعريف٬ ذلك أنه أصبح له من الثقل بداخل الحزب ما صار يعادل به بل وقد يتجاوز تلك الأيادي التي يقال إنها صنعته بالأمس. يقول عنه خصومه إنه «شعبوي» النزعة، ميال إلى «التحكم والسيطرة»، ويستدلون على ذلك بكيفية تدبيره لنقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، وطريقة تصفيته المعنوية والرمزية العنيفة لخصومه ومنافسيه، لكنه يرد دائما بأنه صريح الخطاب لايتقن لغة الخشب، وأن كل قراراته كانت لها قاعدة حزبية وعمالية تدعمها ولم يفرضها من فوق، ومهما كانت له من صفات من الواضح، أن شخصيته ستطبع الحياة الحزبية المغربية، خصوصا في مرحلة تعرف تنامي نزعة الخطابة، والعنف اللفظي بين الفرقاء السياسيين، وقد قال أحد مناصريه ذات يوم «لقد أردنا شباط أمينا عاما لأنه الوحيد القادر على مواجهة ابن كيران». لكن كيف سيتصرف «كبير الاستقلاليين» الآن؟ هل يتعامل مع ابن كيران الحليف أم الخصم القديم؟ لاأحد يملك الجواب، فمزاج شباط واندفاعاته، لاتحددها غير المواقف الظرفية، إنه يشتغل بحسب كل حالة وما تقتضيه من رد فعل.