قدمت «الأولى» في إحدى نشراتها الزوالية للأسبوع الماضي ربورتاجا عن مأساة حقيقية يعاني منها مواطن مريض بجوار مستشفى ابن رشد بالدارالبيضاء، يقول المواطن بأنه استقر في هذا المكان منذ أكثر من شهر، حيث تدهورت حالته الصحية ولم يعد قادرا حتى على الجلوس في كرسيه المتحرك، لأنه مازال ينتظر الإسعاف منذ مجيئه إلى هذا المستشفى يطلب العلاج. ويقول هذا المواطن المريض،بأن إدارة المستشفى رفضت استقباله، لأنه غير قادر على دفع المبلغ المالي المطلوب من أي مريض كيفما كانت أحواله. وبعد ذلك شاهد نظارة التلفزة مواطنا آخر في حالة أسوأ يصعب عليه أن يتحدث أمام الكاميرا، وهو يتقاسم مع المريض الأول عدم التوفر على المبلغ المالي المطلوب من أي مريض حتى يحق له الحصول على العلاج. هذه ليست حالة جديدة في نظام الصحة العمومية بالمغرب، وتعود الحكاية إلى عقد الثمانينيات يوم دخلت بلادنا مرحلة عرفت ببرنامج التقويم الهيكلي بسبب الضائقة المالية التي أدت إلى الحد من الإنفاق العمومي على القطاعات الاجتماعية، وفي المقدمة قطاع الصحة العمومية. آنذاك أصبحت المستشفيات بدون أدوية وبدون الوسائل التي يحتاج إليها العلاج والعمليات الجراحية ومواجهة المستعجلات، وأصبحت المستشفيات في المناطق النائية بدون أطباء، فيضطر الممرض إلى أن يصبح طبيبا عند الحاجة. هذه هي مأساة الصحة العمومية في المغرب، وهذا هو الواقع، وهكذا تفضلت القناة الأولى بنقل صورتين ناطقتين عن جانب من جوانب محنة المغاربة مع قلة الوسائل ومحدودية إمكانيات علاج أمراضهم وآلامهم. والمشكل هو أن ما شاهده المغاربة على شاشة “الأولى” في الأسبوع الماضي، ماهو إلا صورة عن محدودية نتائج الجهد الذي يبذله المسؤولون عن الصحة العمومية، وما نشاهده على شاشة التلفزة من تدشينات رسمية. والمطلوب من المتحدثين في مناسبات هذه التدشينات، أن يكفوا عن مغالطتنا ومغالطة أنفسهم بالكلام الكثير الذي يقولونه عن إنجازات الصحة العمومية بالمغرب، إذ يتوهمون أن تلك التدشينات، من شأنها أن تقضي على المشاكل المزمنة، وأن توفر العلاج للمصابين بمختلف الأمراض. ومن المحقق لو أن المسؤولين تحلوا بشيء من التواضع لكان من السهل عليهم الوصول إلى حلول ممكنة، حلول تتوقف بالتأكيد على إعادة النظر في المنظومة الصحية بالمغرب، بالبحث عن أحسن الطرق لاستخدام الموارد البشرية المتوفرة، وترشيد توظيف الإمكانيات المادية المحدودة. وعلى كل حال، فإن ما قدمته تلفزة زنقة البريهي كان صورة من الواقع، صورة يجب أن تستوقفنا حتى ندرك جميعا إلى أي حد مازال علينا أن نجد ونجتهد لإخراج منظومة الصحة العمومية من أبوابها المسدودة.