الدار البيضاء – اتجهت العديد من المقاولات مؤخرا إلى التسويق الرقمي لمنتجاتها وخدماتها ، كي تبقى قريبة من المستهلكين، المعتكفين بمنازلهم بسبب الحجر الصحي، الذي فرضته الأزمة الصحية المرتبطة بانتشار الفيروس التاجي (كوفيد 19). وقد كان الدافع وراء هذا التوجه، الذي أصبح لاغني عنه بالنسبة للمقاولات، أو ديدنها، هو الأزمة الصحية التي قوضت أساليب التسويق التقليدية، وهو ما دفع المقاولات إلى إعادة التفكير في طريقة تواصلها من أجل الحفاظ على روابطها مع زبنائها، وبالتالي ضمان استمرارية أنشطتها وخدماتها. ويعد التسويق الرقمي، الذي أصبح ضرورة حتمية في هذه الظروف الاستثنائية، في الوقت الراهن، رافعة أداء حقيقية، وفرصة بالنسبة للعديد من القطاعات بغية التخفيف من الخسائر التي لها صلة بإغلاق محلات البيع . وفي هذا السياق، أبرز الخبير في مجال الرقمنة السيد مهدي الإدريسي في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الأزمة الصحية الحالية، التي فرضت تحولات هيكلية وتنظيمية على المقاولات، عملت على تسريع لجوئها للرقمنة ما دامت وسائل التسوق التقليدية لم تعد مجدية. وبناء عليه، كما قال ، فإن التسوق الرقمي فرض نفسه كضرورة بالنسبة لسلسلة القيمة الخاصة بالمقاولات. وحسب السيد الإدريسي فإنه " إذا أخذنا ، على سبيل المثال لا الحصر، السلع التي يتم الإقبال عليها بشكل أكبر، فإن المستهلك يتوجه بشكل طبيعي وأكثر من أي وقت مضى ، إلى منصات التجارة الإلكترونية لتقديم طلباته ، وذلك بسبب حالة الحجر الصحي ". وتابع أن الاتجاه التصاعدي بشأن استخدام شبكات التواصل الاجتماعي خاصة، واستعمال الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) بشكل عام ، خلال هذه الفترة ، جعل جل المقاولات في كل القطاعات تلجأ إلى بلورة مخططات واستراتيجيات تتعلق بالتسويق الرقمي. ولفت السيد الإدريسي إلى أن المقاولات يمكنها الاستفادة من العدد الكبير من مستخدمي الأنترنت المتواجدين بمنازلهم بكثرة بسبب الحجر الصحي، إما لتحسين "علاقاتهم العامة "بالمستهلكين، أو للرفع من رقم معاملاتهم من خلال زيادة المبيعات عبر العالم الافتراضي، وهذا يتوقف على استخدام منصات ووسائل التسويق الرقمي. من ناحية أخرى، يضيف هذا الخبير، فإن استخدام عالم الرقمنة على نطاق واسع، كأداة للتحول الذي له علاقة بالتسوق، تنتج عنه في بعض الأحيان ممارسات معيبة وسلبية، منها استخدام التسويق الرقمي لأغراض قد تبتعد عن مجال الأخلاقيات ( النصب، الترويج لمنتجات غير جيدة وخدمات مغشوشة)، علاوة على استخدام واستغلال المعطيات الخاصة لمستخدمي الأنترنت. واعتبر أن الأزمة الصحية الحالية ساهمت بشكل كبير في الرفع من الوعي بأهمية عالم الرقمنة ، وهو ما تجسد بشكل خاص في التسوق الرقمي والعمل عن بعد ، وغيرها . وقال السيد الإدريسي إن هذا التوجه يمكن تسخيره ، خلال فترة ما بعد الفيروس التاجي ، نحو أنماط عمل عن بعد ، وهو ما سيمهد الطريق لنماذج وتكنولوجيات جديدة . وفي السياق ذاته اعتبر السيد إدريس خيي ( مستشار ومكون في مجال التسويق الرقمي ) أن الأزمة الصحية دفعت عجلة التسويق الرقمي إلى الأمام ، على مستوى مختلف القطاعات ، لكن بشكل متفاوت، مشيراً إلى أن المقاولات التي تعودت ، تاريخيا ، على عرض منتجاتها بالمحلات، وجدت نفسها فجأة محرومة من زبنائها، فتم تعويض ذلك باللجوء إلى التسوق الرقمي، وتطبيقات الهاتف المحمول، وشبكات التواصل الاجتماعي . وفي مجال الأعمال ، يضيف السيد خيي ، تم الاستعانة أيضا بالعالم الافتراضي (les visioconférences, conférences en lignes, webinar )، علاوة على وسائل أخرى (Emailing, newsletter, LinkedIn, etc ) ، وذلك في غياب اللقاءات والتظاهرات التي تنظم حضوريا. وفي سياق متصل شدد السيد خيي، على أن اعتماد استراتيجية رقمية يشكل ضرورة لضمان استمرارية المقاولات، وتطوير أنشطتها. وأشار إلى أنه ، خلال فترة الحجر الصحي، فإن المقاولات، التي حافظت على أنشطتها، لجأت إلى التقنية الرقمية كمكون رئيسي للتقليل من خسائرها . وبفضل رافعات التسويق الرقمي، نجحت المقاولات في التكيف مع هذا السياق الجديد وعادات الاستهلاك الجديدة، مع الإشارة أنه تم اقتراح عروض جديدة وقنوات مغايرة للتسويق، تتلاءم مع الاحتياجات والإكراهات الحالية للزبناء . وأكد السيد خيي، أنه في سياق اقتصادي متغير باستمرار، فإن التسويق الرقمي يقدم للمقاولات المرونة والسرعة في التنفيذ ، وهو ما ينعكس إيجابا على التكاليف، مشيرا إلى أن هذه العوامل وغيرها هي التي مكنت المقاولات من البقاء، والحفاظ على أنشطتها. ومن أجل إنجاح الاستراتيجية الرقمية، في زمن الأزمة الصحية، فقد دعا هذا المستشار، المقاولات إلى إعادة النظر في استراتيجيتها مع إعادة تحديد الأولويات، وإعادة التفكير في استراتيجية التسويق في ضوء ما تمنحه التكنولوجيا الرقمية.