تتداعى التصريحات العنصرية الطائشة ضد الجالية المغربية المقيمة في هولندا التي أطلقها خيرت فيلدرز، زعيم حزب من أجل الحرية، في خطاب حماسي أمام عدد من أتباعه على هامش فوز الحزب بمقاعد في الانتخابات المحلية، حين سألهم بشكل عنصري ساخر : هل تريدون القليل أو الكثير من المغاربة بهولندا؟ فردوا عليه بخثب: «نريد القليل، والقليل جدا أيضا». «الخرجة» الجديدة لرجل بنى مجده السياسي على كراهية الآخرين والتحريض ضدهم، أحدثت صدمة في المجتمع الهولندي الذي ظل يتعايش مع عدد من الجاليات المتحدرة من بقاع العالم في إطار الاحترام والسلم والحرية الفردية والاعتراف بالمواطنة الكاملة، ناهيك عن موجة الغضب في صفوف المجموعة المغربية والعربية والإسلامية التي خرجت في مسيرات تندد بتوجهات الحزب وزعيمه، وتتهمه بزعزعة ثوابت الكيان الهولندي. وانضم عدد من الهولنديين إلى المسيرات الغاضبة وارتدوا أقصمة كتب عليها نحن أيضا ريفيون، في إشارة إلى مغاربة هولندا المتحدرين أغلبهم من جهة الناظور والحسيمة ومنطقة الريف بشكل عام. واستدل الهولنديون بنماذج ناجحة من مغاربة أغنوا الرصيد الهولندي في الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعايش والإندماج الإيجابي، أمثال أحمد أبو طالب، عمدة روتردام، الذي اعتبر من بين أهم الشخصيات المؤثرة في هولندا برسم 2013، رفقة كل من صديق الحرشاوي، رئيس مجلس التنمية الاجتماعية والرئيس السابق لمعهد التنمية المتعددة الثقافات، وهناك أيضا مغاربة آخرون يحتلون مواقع متقدمة في السياسة والإعلام والمجتمع المدني، مثل كريمة إدريسي، الصحافية في القسم العربي لإذاعة هولندا العالمية. رسميا، خلفت تصريحات فيلدرز ما يشبه الصدمة لدى عدد من السياسيين والمسؤولين الحكوميين في هولندا الذين فوجئوا بمنسوب الحقد والكراهية والاستغلال السياسوي لقضية حساسة، مثل مغاربة هولندا، لكسب مقاعد في الجماعات المحلية والبرلمان. وأحس فرانس تيميمارانس، وزير خارجية هولندا، بحرج كبير خلال لقائه بصلاح الدين مزوار، وزير الشؤون الخارجية والتعاون، أثناء مباحثاتهما الثنائية على هامش القمة الدولية حول الأمن النووي، الذي تحتضنه لاهاي. وبدت علامات التأثر واضحة على محيا الوزير الهولندي، معتبرا تصريحات زعيم حزب من أجل الحرية ساذجة وحقودة. ووجد فرانس تيميمارانس صعوبة في التحكم في دموعه، وهو يحكي أمام الوزير المغربي كيف أن ابنته الصغيرة صدمت بتصريحات فيلدرز التي سمعتها حين كانت عائدة من المدرسة وسألته «هل فعلا سيتركوننا لوحدنا أصدقاؤنا المغاربة في الدراسة؟» وعبر وزير الخارجية الهولندي عن أسفه لتصريحات العنصري فيلدرز، مؤكدا أن المغرب بلد صديق لهولندا وسيظل كذلك مستقبلا رغم هذه الاستفزازات الطارئة العائدة إلى أسباب انتخابية صرفة، معبرا لنظيره عن امتنانه لالتزام المغرب بالحكمة في تدبير هذا الملف. من جهته عبر مزوار لوزير خارجية هولندا عن امتنانه للدور الذي لعبته وزارة الخارجية الهولندية لاحتواء المشكل والرسالة الشهيرة التي بعث بها وزير الخارجية إلى رئيس الوزراء الهولندي، مشيدا، في الإطار ذاته، بمستوى العلاقات الثنائية بين البلدين، وبالبعد الثقافي التعددي بهولندا، الذي تتعايش فيه جميع المكونات. ودعا مزوار نظيره الهولندي إلى التعاون من أجل وضع إستراتيجية مشتركة للدفاع عن قيم الحرية وعن مصالح الجالية المغربية التي يوليها جلالة الملك عناية خاصة، مشيرا في الإطار ذاته إلى أن تصريحات فيلدرز مستفزة ومحاولة للتشويش على صورة المغرب وخصوصيته الدينية والحضارية، وهو الأمر الذي لا يمكن للمغاربة قبول المساس بها.