كثيرة هي الأقلام المغربية التي تطرقت لمستجدات الشأن المصري الأخيرة ، وطبيعي أن نجد درجة من التباين في المواقف و التحاليل و تحميل المسؤولية لهذا الطرف أو ذاك ، إلا أن المتابع لكثير من كتابات و بيانات مجموعة من الهيئات و الفاعلين المغاربة المحسوبين على التيار الحداثي أو اليساري وماجاورهما ، يجد نفسه مصدوما من مواقفها و درجة قفزها على الحقائق وغضها الطرف عن جرائم القتل العمد و واقع الدماء الذي تلطخت به أيادي التيار الانقلابي و حاشيته و التحريض و السب و القذف ، بل مما يزيد من وقع الصدمة انسياقها البارد نحو تسويق نفس مواقف و تبريرات ، رفقاء الصف المصريين في المذهبية الفكرية و السياسية ، مما وقع و يقع و حتى من المتوقع . نقف في هذه المتابعة ، على جملة من المواقف لنتبين درجة مصداقيتها و نزاهتها الحداثية : 1 – حزب الاصالة و المعاصرة كان البام من أول الهيئات التي علقت على التطورات المصرية ، ببيانه الصادر يوم 05 يوليوز، و الذي جاء فيه : "إن التدخل الذي قام به الجيش المصري لحماية المؤسسات والديمقراطية، وإن كان يبدو منافيا للقانون ، فإنه يكشف عن حقيقة أن أي نظام سياسي يظل في حاجة إلى صمام أمان لتحصين الخيارات الكبرى للشعب من كل أنواع الانزلاق أو الهيمنة أو التسلط أو الإقصاء السياسي أو معاكسة إرادة الشعب . هذه القاعدة تنطبق أكثر على المجتمعات التي ما تزال لم تتجاوز مرحلة انتقالها الديمقراطي نحو الممارسة السياسية التعددية الاعتيادية، وفق القواعد المتعارف عليها دوليا؛....." لاحظ معي أن استعانة رفاق بنشماس بجملة ( و إن كان يبدو منافيا للقانون ) تهدف إلى رفض تسمية ما وقع بانقلاب و إن كان يبدو للبعض كذلك، فتم توظيف أسلوب مراوغ و ملتف بنفس درجة توظيف الحدث لتوجيه رسائل إلى الداخل خاصة إلى حزب العدالة و التنمية ، فالبيان هو في حقيقة الأمر موجه للداخل أكثر منه الخارج فالفرصة مواتية لربح نقاط في الجولة الحالية مع بنكيران إذ تم الأخذ بعين الاعتبار ظرف مخاض الولادة الثانية للحكومة. 2-الحزب الاشتراكي الموحد أما الحزب الاشتراكي الموحد في بيانه الصادر بتاريخ 20 يوليوز ، وعند تناوله للمستجدات بمصر فقد انتقد تجربة حكم جماعة الإخوان المسلمين مكررا نفس تهم القوى الانقلابية بمصر : "عجز هذه الجماعة ومن معها – بحكم مرجعيتها الماضوية المنغلقة والمتناقضة مع قيم العصر – عن إنجاز مهام الانتقال الديمقراطي، حين عملت على إقصاء باقي الفرقاء السياسيين ورفضت التعاقد المجتمعي حول الدستور، وحاولت بسط سيطرتها على مفاصل الدولة بمختلف مؤسساتها، القضائية والإعلامية والأمنية، وحين عملت أيضا على قمع الحريات والتظاهرات السلمية وتهديد واعتقال المعارضين لحكمها، ولما زجت بالبلاد في انقسام و اصطفاف حاد زاد من تأزيم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية؛.." فنحن نجد أنفسنا في الحقيقة أمام بيان لجبهة الإنقاذ المصرية و ليس موقف لحزب مغربي من المفروض أن يأخذ مسافة موضوعية مما يجري و أن يضع حجج الجميع تحت نفس درجة الاختبار و المدارسة دون الارتهان إلى التعاطف السياسي ، فلم يشر بيان رفاق منيب إلى الدماء التي سقطت و لا إلى الطبيعة الانقلابية لما سماه البيان " الثورة التصحيحية " . بن سعيد آيت ايدر ، أحد الرموز اليسارية التاريخية ،حاول الوقوف موقف الحياد في تعليقه على الوضع المصري ( جريدة أخبار اليوم – الإثنين 29/07/2013) لكنه حياد سقط عند أول تمحيص ،فحسب شيخ اليسار، ما وقع في الأخير لم يكن إلا نتيجة لخطأ الطرف الاول . 3- المفكر عبد الاله بلقزيز جاء في مقالته المعنونة بتقديس صناديق الاقتراع المنشورة بجريدة المساء مؤخرا و ببعض المواقع الالكترونية ..: "تتمثل النسخة الجديدة من الشعبوية في تقديس صناديق الاقتراع، بما هو صيغة أخرى لنزعة تقديس الشعب؛ فالشعب هو المعيار وفيصل التفرقة، وما يقوله، ما يختاره، ما يقرّره، ليس محل جدل أو اعتراض ………………. ولكن بينما يلحظ نظام الليبرالية السياسية مكاناً للنقد والمعارضة ومخالفة الرأي العام السائد، من دون حسبان ذلك انتهاكاً للإرادة العامة، يكتفي "أتباعُها" في بلادنا العربية – وقد انضم الإسلاميون إلى جمعهم – بحسبان الاعتراض على الإرادة السائدة، اعتراضاً على إرادة الشعب، واختياره، وانشقاقاً أو خروجاً عن الجماعة، فيتحول المعارض إلى معادٍ للديمقراطية، ومن دون أن يقول من يتهمونه بذلك إن الديمقراطية شيء والليبرالية السياسية شيء آخر، ومن دون أن يقرّروا أن الديمقراطية لا تخرج – بالضرورة – من صناديق الاقتراع، كما تُعَلمنا التجارب السياسية المعاصرة (=النازية والفاشية مثلاً، خرجتا من صناديق الاقتراع أيضاً)، لأن الشعب ليس معصوماً من الخطأ، وقد يرتكب فداحات في حقّ مصيره، خصوصاً إذا ما ابْتُليَ بالفقر والجهل: وهُمَا معاً يجرّدانه من الإرادة الحُرّة التي هي شرطٌ للمواطنة" يظهرهنا ، مدير الدراسات السابق بمركز دراسات الوحدة العربية ، بموقف اللائم للتيار الإسلامي في مصر معيدا فتح أسئلة حول حقيقة موقف التيارات الإسلامية من الديموقراطية، مع العلم أن الأستاذ يدري قبل غيره ( لإهتمامه بالحوار القومي الإسلامي )، أن الحركات الإسلامية المعتدلة تقدمت أشواطا مهمة في التقعيد و الممارسة الديموقراطية و لم يعد أحد بمقدوره المزايدة عليها في هذا الباب و أن هذا التيار يؤكد باستمرار على إيمانه بالعملية الديموقراطية و احترامه لصناديق الاقتراع ، بل تشهد وقائع متعددة أنه كان المتضرر الأساس من كثير من العمليات الانتخابية التي مرت ، ورغم ذلك بقي مصابرا في حدود الاحتجاج السلمي ( الجزائر – مصر في عهد مبارك – الأردن – فلسطين – اليمن – تونس بن علي – المغرب سنة 97..) بل إن كثير من هذه التجارب تعرضت لعنف صارخ لاجثتاتها لكن كتب لها النجاة من ذلك بحكم تبصر قياداتها . من جهة أخرى ، يعتبر استدعاء نماذج الحزب النازي و الفاشي لتبرير أن الديمقراطية لا تخرج بالضرورة من صناديق الاقتراع فيه تعسف على اللحظة التاريخية الحالية التي هي نتاج صيرورة من إنتاج آليات و مؤسسات مكنت من تحصين الديمقراطية من الاستثناءات المذكورة ، كما أن القول بكون الفقر و الجهل من مداخل الخطأ الديمقراطي نشاز غريب عن قيمة الكتابة السياسية لدى بلقزيز ويبقى التفسير الوحيد لهذا استسلامه بدوره للحمية الاديولوجية . 4- محمد اليازغي: في نفس عدد أخبار اليوم (29/07/2013) حمل القيادي الإتحادي المسؤولية صراحة ل "لاخوان المسلمون "لأنهم ( السبب في الأصل و لم يعرفوا كيف يشرفون على تدبير البلاد و مالوا إلى السيطرة و التحكم ) بل بلغ في درجة " الإنصاف الإيديولوجي " إلى الإقرار أن ما وقع ليس انقلابا بل إن " الجيش تقدم بناء على طلب شعبي " وهذا نموذج آخر لتماهي خطاب رموز سياسية مغربية مع الجوقة الانقلابية المصرية. هذه نماذج فقط لبعض التفاعلات لنخبة مغربية مع الحدث المصري تتقاسم كلها النظر عبر نظارات ايديولوجية مصرية ربما تأتي من باب الإسناد لا من باب تفاعل مبدئي مع حدث يهز دولة كبيرة من قيمة مصر وسيكون له تأثير أكيد على مستقبل الخريطة السياسية العربية ككل ، هذه التصريحات تفرض طرح خلاصات وتعليقات أولية في انتظار ما ستحفل به الأيام من تطورات وطنية و مصرية : - الميزان الوحيد لقياس شعبية تيار سياسي هو الصندوق ، المؤطر بانتخابات شفافة ، إلا إذا كنا نعتبر الشعب قاصر أو سفيه وجب الحجر على تصرفاته …وهذا ما يفسر استكثار البعض على التيار السياسي الذي اختارته صناديق الاقتراع طلبه احترام إرادة الناخبين . – الوصاية على الشعوب هو سقوط في نفس منطق الديكتاتوريات و أنظمة الاستبداد ( الوصاية على الشعوب و الحجر على قراراتها بدعوى التأثر بالخطاب الديني أو قلة وعيها و حالة الفقر التي تعيشها). - شرعنة الانقلاب بدعوى وقوع أخطاء من مرسي يفرض الحكم بموضوعية على تجربة محاصرة و الحكم الموضوعي يجب أن يكون في سياق المتاح على ضوء الظروف الداخلية و الخارجية ، خاصة أنه لا زالت تظهر مع الأيام حقيقة السيناريو المحبوك الذي تدخلت فيه أطراف خارجية و وظفت فيه ترسانة إعلامية ضخمة لشيطنة طرف سياسي و تحت غطاء قضائي غير مستقل و تواطء القيادات الأمنية و الجيش ،و كل هذا سابق عن أية أخطاء يكون سقط فيها مرسي - التحليل السياسي اليوم يسترجع عقلية و آليات العقود الماضية ،التي كانت تعرف مواجهات قوية بين الأطراف المتنافسة في الحقل السياسي ، وتم إغفال أن هذه الساحة عرفت تقاربا فكريا مهما كان الأجدر البناء عليه لا تسجيل قطيعة معه و التنكر لذلك ، فتحليل الكثير من المتصدرين" للإفتاء الانقلابي " متأثر بالحمية الإيديولوجية ،والتاريخ يسجل أن من أسقط صناديق الاقتراع اليوم هم دعاة الديمقراطية ، تحت حماية دبابات العسكر وكذب الإعلام ، الذي أسقط الديمقراطية اليوم هو من إلى حد قريب كان يحذر من وصول الإسلاميين إلى كراسي السلطة و رفع السلالم عنها فالمطلوب إذن ، من بعض النخبة اليسارية و الحداثية ، الإقرار الشجاع بأن ما وقع هو انقلاب عسكري و ألا تدفعنا الخصومة السياسية أو الاختلاف الجذري أو النسبي في التوجه السياسي إلا أن نعمي أعيننا عن الحقيقة لأننا نؤسس لشرعية جديدة قد نكون ضحيتها بالغد .