لاشك ان كل مكونات المجتمع المغربي افرادا ومؤسسات وهياكل وتنظيمات رسمية وغيرها وفاعلين سياسيين وتربويين على اختلاف خلفياتهم ومشاربهم يتملكهم القلق نحو مستقبل المدرسة المغربية بل حصل اجماع وطني على ان تعليمنا راكم ما يكفي من مؤشرات الازمة وتأكد للجميع وبالملموس ان الازمة حقيقية في جوهرها واشكالها وابعادها وان حدتها وانعكاساتها تتفاقم يوما بعد يوم وازداد سعيرها ولهيب نارها عندما اقدمت وزارة التربية الوطنية وبقوة المرسوم على "تنزيل" نظام اساسي جديد جعل رحى الازمة لا يتوقف في تأجيج الاحتجاجات وتوسيع مداها وقوتها وتعميق الشرخ التواصلي بين كل الفاعلين التربويين من جهة ووزارة القطاع من جهة ثانية مما يؤكد ان عقلية او ثقافة "الازمة" لا تزال تشتغل لأجل تحجيم الدور التنويري والتثقيفي والتحديثي للمدرس والمؤسسة التعليمية والتعريض بسمعة ومكانة نساء ورجال التعليم والاطاحة بالتقدير القيمي لمهنة التدريس وهو ما يعاكس الطموح الذي يسعى النموذج التنموي الجديد لتحقيقه الداعي الى احداث نهضة تربوية حقيقية وتحسين جودة التعليم بشكل جوهري واعادة وضع المدرسة العمومية في صلب المشروع المجتمعي للمغرب من خلال الدعوة الى اصلاحات طموحة والتي من شانها تعزيز واستكمال الرؤية الاستراتيجية 2030 والقانون الاطار 17-51 المنبثق عنها اضافة الى الرفع من قدرات وكفاءة النظام التعليمي من حيث الصمود والتكيف مع اوضاع تفرض اكراهات شبيهة بتلك التي رافقت جائحة كوفيد 19. لقد سبق ان وضع مهندسو النموذج التنموي الجديد في تقريرهم المدرسة العمومية في قلب الاصلاحات الاستراتيجية واشاروا الى ان جودة اي نظام تعليمي يحددها مستوى المدرسين العاملين به، كما ان نجاح النهضة التربوية تتطلب ايلاء الاهمية الكبرى لتثمين هيئة التدريس والارتقاء بمستوى كفاءاتها وتأطيرها وفق معايير مهنية صارمة. فهل استلهم مهندسو النموذج التنموي الجديد هذه الرؤية الاصلاحية الشاملة لأجل خلق مناخ تربوي واجتماعي وثقافي وسياسي ملائم لإصلاح جميع مكونات النظام التربوي؟ بل نتساءل وباستغراب اين نحن من فلسفة هذا المشروع التنموي الجديد فيما يتعلق بمباشرة فعلية في تجديد وتحديث مكونات النظام التربوي والتكويني؟ اين تلك الارادة السياسية والاجتماعية الواعية التي بدأت مع انجاز واخراج المشروع التنموي الجديد حتى تحضر من جديد في اعداد وصياغة واخراج النظام الاساسي الجديد لموظفي قطاع التربية الوطنية وعبر فلسفة وحكامة اشراك ومشاركة كل الفاعلين المعنيين بالمسالة التربوية والتعليمية؟ ان وثيقة النظام الاساسي "المجمد" لم تكن قبل "التجميد" مفتوحة على الاجتهاد حتى يتسنى للفاعلين التربويين والنقابيين وذوي الخبرة والاختصاص في الميدان التربوي من الانخراط والمساهمة في اصلاح المدرسة العمومية والمراجعة الجذرية للأوضاع المادية والاجتماعية لنساء ورجال التعليم، وكان الاولى على المدبر الحكومي للشأن التعليمي ان يسمح للفاعلين التربويين او لممثليهم من حق المشاركة والاشراك في صياغة بنود ومواد هذه الوثيقة "المحرضة" على الاحتجاج. ولو كان قد سمح لهم بالمشاركة والاشراك في هذه العملية لسهلت المأمورية على الفاعل الحكومي المدبر للشأن العام من ترجمة كل الكفايات الواردة في وثيقة النظام الاساسي الى سياسة عمومية في الحقل التعليمي وهو ما كان سيوفر جوا ايجابيا وديناميكية فاعلة ومنتجة تسمح بنجاح المشروع وتمريره. لكن واقعنا التربوي والسياسي اليوم يعود ليؤشر على استمرار نفس الثقافة اوالعقلية " الازموية " مما يزيد من عمق فقدان الثقة بين الاطراف المتحاورة ولما لا المتفاوضة !! ان النظام الاساسي الجديد "يحتضر" سريريا ويحتاج الى عملية جراحية دقيقة يشارك فيها فريق جراحي متنوع الاختصاصات ومتعدد التدخلات(من اطر تربوية او ممثليهم) بعد ان تسبب هذا الوضع المحتقن في الحاق خسائر تربوية جسيمة، منها "تجميد" الحركة والفعل التربوي وتوقف الدراسة لأسابيع في المؤسسات التعليمية العمومية وظهور حركات احتجاجية في شكل جديد في القطاع التعليمي (التنسيقيات) دفعت نساء ورجال التعليم الى الخروج في مسيرات احتجاجية ضخمة وعارمة تابعها الراي العام الوطني بكثير من الاهتمام، ولان هذا القطاع الاستراتيجي له تأثير مباشر على ملايين الاطفال والتلاميذ ولأجل انقاذ جزء من هذا الزمن المدرسي(الضائع) اختارت الوزارة الوصية مرة اخرى اتباع نفس الطريقة في "انزال" مذكرة حول موضوع البرنامج الوطني للدعم لفائدة التلاميذ والتلميذات خلال فترة العطلة البينية الثانية من 4 الى 10 دجنبر مبررة هذا الاجراء على بعد ايام قليلة من العطلة البينية الثانية (انه جاء لأجل تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع التلاميذ) ويرتكز هذا البرنامج التدعيمي على مجموعة من اليات الدعم مع مراعاة الانتقائية والتكامل بين مكوناتها الاساسية والتي تشمل الدعم التربوي الممول في اطار الساعات الاضافية والدعم التربوي باعتماد مقاربة التدريس وفق المستوى المناسب (Tarl) والدعم التربوي الممول من لدن الشركاء ثم الدعم التربوي الرقمي "عن بعد"(Telmid TICE) لاشك انه وجهت لهذه المذكرة العديد من الانتقادات ومن اهمها ان برنامج الدعم هذا لم يواكبه منذ اعلانه تأهيل للموارد البشرية التي ستعمل على تنفيذ مختلف عناصر البرنامج التدعيمي ان بشكل مباشر او غير مباشر ولا التعرف على مرتكزاته ومقوماته للتمكن من تنفيذه ومسايرة سيرورته هدفا في بلوغ النتائج المحددة والمرجوة. الدعم بكافة اشكاله وانواعه لا يمكن ان يقوم به الا العاملون في الميدان وهم المدرسون وهيئة الاشراف التربوي (المفتشون) لانهم اصحاب الاختصاص والخبرة والتجربة في هذا المجال اما اقصاء او تجاهل الاطر التربوية الرسمية العاملة في القطاع وتعويضهم بغيرهم من الموارد البشرية الاخرى خارج العاملين في قطاع التربية والتكوين فانه لن يخرجنا ابدا من النفق المازقي الذي وضعت الوزارة نفسها فيه. ان اشراك الممارسين الميدانيين والمعنيين الحقيقيين: المدرسون والتلاميذ والاباء في عملية بناء منهاج الدعم الاستدراكي بمكوناته ووسائله ومواده وموارده وتخطيط اهدافه تضل كلها رهينة بمدى تجاوب المسؤولين الحكوميين مع انتظارات الشغيلة التعليمية في تحسين ظروف عملها المادية والمعنوية. اما اذا بقي نساء ورجال الميدان التعليمي مقصيين او بعيدين او غير مشاركين في برنامج الدعم الاستدراكي بسبب احتقان الوضع الحالي(الاضرابات والاحتجاجات- التوقفات ) فانه لا يعدو ان يكون هذا الاجراء رديفا للإجراءات الفاشلة …فليس كل مجاز او كل دكتور يستدعى لهذا الدعم بقادر على ان يقوم بهذه المهمة ان لم تشفع درايته العلمية والعملية بالتعمق في ديداكتيكا وبيداغوجيا المواد التي يتم فيها الدعم. الطبيعي والبديهي في مثل هذا الاجراء هو الاشراك الفعلي للمدرس اولا والمشرف التربوي ثانيا والوصي البيداغوجي ثالثا عبر تواصل تربوي سليم لا يقف عند حد تبليغ وتوصيل وانجاز المعلومة- الكفاية بل يتعداه الى المتابعة بعد البناء وممارسة التقويم الذي يجب ان يشرك فيه المتعلم – التلميذ ايضا بحيث يجب ان يهيئ المشروع ويصنع القرار من القاعدة الاصل (المدرس- التلميذ). ان الاستدراك والدعم يشكلان هاجسا يؤرق المدرسين قبل المتعلمين واولياء امورهم لما لهما من اهمية كبرى تتجلى في كونهما يمسان العملية التعليمية والمناهج الدراسية في عمقها التربوي، فهل هؤلاء الذين قد يباشرون عملية الدعم الاستدراكي في المؤسسات التعليمية على علم بشخصية كل تلميذ في استقلاليتها وذكائها ودافعيتها وانبساطيتها…؟ هل هم على علم بمواطن الضعف لمعالجتها استنادا على بيداغوجيا الخطأ؟ هل هم على علم بالمكتسبات السابقة؟ وكيف سيعرفون مواطن الخلل في تحصيل المتعلمين؟ واي نوع من الدعم سيختارون؟؟ ان بيداغوجيا الدعم تحتاج الى تخطيط لان كل فعل تربوي سواء اكان قصير المدى (الدرس) او طويل المدى (المقرر) يخطط له بناء على اهداف تترجم في صيغة اجرائية ما نتوخى بلوغه عند نهاية هذا الفعل – انا بونبوار ( Anna Bonboir)- فماذا تتوخى الوزارة من هذا الدعم؟ وهل يحق لمدرسة عمومية الاستعانة بخدمات شخص غير رسمي لا يتوفر على ادنى المستلزمات الضرورية في مجال الدعم البيداغوجي ولا على علم بالمكتسبات السابقة للتلاميذ؟؟؟ ان الاستدراك والدعم والتقوية هو عمل تربوي بيداغوجي يتطلب توفير الوسائل الضرورية اللازمة لتجنب التلاميذ الفشل المحتمل وهو لا يعني مطالبتهم ان يتعلموا او يعيدوا تعلم هذه المعارف بقدر ما هو العمل على جعلهم متقنين لها ومستعدين لاكتساب معارف جديدة. والدعم لا يمكن ان يعزل عن مفهوم عملية التعلم ويرتبط ارتباطا جدليا بالتقويم بحيث انه يتأثر به ويؤثر فيه (كل تقويم يتيح لنا الحصول على معلومات ومؤشرات عن الثغرات او النقائص تساعدنا في عملية الدعم ) اي ان الدعم عملية تتلو فعل التقويم والتقويم اجراء عملي نقوم به للكشف عن الثغرات في التعلم تم تتدخل عملية الدعم لسد تلك الثغرات. هكذا يقترن المفهومان "التقويم" و"الدعم" ويتلازمان فحينما يحدث التقويم بمعنى التحليل العلمي لكل شروط وملابسات العملية التعليمية – التعلمية ويكشف عن اليات القصور فيها يصبح من الواجب الديداكتيكي الكشف والبحث عن اسباب ذلك القصور ومعالجة عوامله قصد اعادة بناء المسار التعليمي – التعلمي. والدعم هذا جزء من التقويم او هو الجانب التركيبي من العملية التعليمية – التعلمية في مقابل الجانب التحليلي الذي يكشف عن الاعطاب والصعوبات وتبعا لهذا يبدو الدعم مرحلة اساسية من مراحل التقويم …فهل هؤلاء الذين قد يقدمون" الدعم" في المؤسسات التعليمية على علم ببيداغوجيات الدعم حسب الوضعيات او الصعوبات التي تعتري الفئات المستهدفة من بيداغوجية تصحيحية – وبيداغوجيا التحكم – والبيداغوجية التعويضية وكل صنف من هذه البيداغوجيات يتطلب عناصر ديداكتيكية وطرائق ووسائل بما فيه العنصر البشري (المدرس والمتعلم).