شكل الانشقاق داخل الأحزاب المغربية ظاهرة سياسية على طول تاريخ العمل السياسي الحزبي المعاصر ابتداء من خمسينات القرن الماضي ، وكثيرا ما كانت أسبابه مرتبطة بغياب أو ضعف الديمقراطية الداخلية وكذا بالطموح السياسي لبعض المناضلين دون أن ننسى الدور المهم لدوائر صنع القرار التي كانت لها يد طولى في العديد من الإنشطارات في إطار هندسة الديمقراطية على المقاس المغربي. وشكلت حالات التحالف و الاندماج حالات نادرة ( اندماج حزب الإصلاح الوطني في حزب الاستقلال ، الحزب الاشتراكي الديمقراطي في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وعودة بعض الأحزاب الحركية إلى الحزب الأم) . ولذلك فإن أية مبادرة في الاتجاه المعاكس ستكون مرحبا بها في الحقل السياسي المغربي لأنها ستعطي قوة للفعل الحزبي كما أنها ستخلق دينامية في حلبة التنافس السياسي ناهيك عن تضييق دائرة التيه الذي قد يواجهه المواطن في الاختيار بين ألوان الطيف السياسي الذي يتناسل بشكل متسارع ، و لن يملك اي فاعل سياسي غيور على العمل الحزبي و على التجربة الديمقراطية المغربية إلا أن يتمنى التوفيق لمبادرة الاندماج الأخيرة بين الأحزاب الثلاثة . لكن من حق المتابع ان يقف بشيء من التحليل أمام هذه المبادرة، متسائلا عن حقيقة الدوافع و أفق المبادرة و توقيت طرحها و علاقتها بالسياق السياسي الذي يعيشه المغرب و حدود الاستراتيجي من التكتيكي في العملية وغيرها من الأسئلة لاستجلاء وفهم كنه الحدث و آثاره. بداية يجب الإقرار أن العائلة الاتحادية عرفت انشقاقات متعددة أضعفت من حضورها المجتمعي ، ابتداء من 1983 و بروز حزب الطليعة و التصدعات المتتالية بعد تبوء حزب الوردة لموقع التدبير الحكومي ( تيار الوفاء للديمقراطية ( السفياني – اقصبي – حفيظ –الساسي …) ،الحزب العمالي بزعامة بنعتيق و العراقي ، التيار النقابي بزعامة الأموي و بوزوبع و الذي شكل حزب المؤتمر الاتحادي لينشق بدوره ببروز الحزب الاشتراكي بزعامة بوزبع ،.) وكانت تتعالى أصوات مناضلين يساريين بين الفينة و الأخرى بضرورة المبادرة لتوحيد جهود ابناء العائلة الاتحادية في أفق توحيد عائلة اليسار خاصة قبيل المحطات الانتخابية لكن كانت تغيب الترجمة الميدانية لهذه الرغبة ،اللهم إلا إذا استثنينا اندماج الحزب الاشتراكي الديمقراطي في الاتحاد الاشتراكي. فما هي دوافع المبادرة الأخيرة و سرعة خروجها للساحة ؟ أهو إقرار بانتفاء الأسباب التي كانت قائمة سابقا و التي برر بها الخروج من تحت عباءة الحزب ، وأهمها غياب ديمقراطية داخلية و اختلاف قوي في قراءة التموقع السياسي خاصة من المشاركة الحكومية آنذاك، أم هو جدية في اتجاه جمع العائلة الاتحادية و من بعدها تحقيق حلم اليسار بتجميع القطب اليساري الاشتراكي، أهو مناورة من القادة الاتحاديين لمحاصرة الاحتجاج الداخلي وتوظيف عاطفي لهذه الورقة لاستقطاب أنصار جدد من دائرة المحتجين ، أم هو تكتيك ظرفي مبني على قراءة ذكية للظرفية السياسية واستعداد قبلي للتطورات الممكنة ومنها الانتخابات السابقة للأوان .. . بالرجوع إلى الأسباب التي كانت وراء حدوث الانشقاقات السابقة نجد أنها في الأساس تنظيمية فالحزب ضاق بجزء من أبنائه ولم يجد القدرة التنظيمية على استيعاب الآراء المخالفة و الطموحات التي رأى أصحابها أنها مشروعة ،فكان الاختيار الصعب وهو إعلان ولادات جديدة تحت يافطات جديدة لذلك ، في نظري ،هناك دوافع كثيرة عجلت ببروز هذه الخطوة اليوم إلى السطح بمعزل عن المبررات التي ساقها بيان من اجل الوحدة ، فمن جهة هناك الاقتناع الميداني بتزايد الضعف و التراجع التنظيمي و المجتمعي للتجربة الاتحادية والذي عكسته نتائج الانتخابات الأخيرة ( نتائج الأحزاب الثلاثة : ا.ش. ق.ش39،الحزب العمالي4+الحزب الاشتراكي0) أمام بروز أحزاب سياسية أخرى ( العدالة و التنمية ، الاستقلال ، الاصالة و المعاصرة…) ، من جهة أخرى الرغبة في حفظ ماء وجه الحزبين ، العمالي و الاشتراكي ، بعد فشل تجربة جي 8 الخائبة ،فأصبح قادة الحزبين يتشبثون بأية قشة تجعلهم حاضرين على مستوى المشهد ، من الأهداف الواردة كذلك تحقيق مصلحة للكاتب الاول للاتحاد الاشتراكي في ربح و حسم المعركة الداخلية مع الزايدي ، الرغبة في السبق التاريخي في بناء الحزب اليساري الكبير، البحث عن مكاسب في إطار استباقي لبعض السيناريوهات الممكنة ( موقع في التعديل الحكومي المحتمل أو حصد عدد مهم من المقاعد النيابية في حالة حصول انتخابات سابقة لأوانها )… فالدوافع ليست لها علاقة بانتفاء أسباب الخلاف بقدر ماهي التقاء مصالح الأطراف الثلاثة بالتعجيل بالخطوة للأسباب المذكورة آنفا فعلى مستوى التدبير الحزبي لم تتعزز الديمقراطية الداخلية في حزب الاتحاد الاشتراكي من الناحية العملية ، فتداعيات المؤتمر الوطني الأخير لازالت مستمرة وردود فعل تيار الزايدي لازالت تتفاعل ، وبالتالي لا جديد استجد يجعل المتابع يطمئن إلى انتفاء أسباب الشقاق الذي ولد الانشقاق ، كما أن تعميق النقاش حول الأسباب الحقيقية للخلاف ، في نظر مهندسي الاندماج ، وكيفية تفاديه لن يؤدي إلا إلى إنتاج خلافات أعمق قد تعصف بما تبقى من الجسم الاتحادي ، ويظهر أن إدراج جملة" ترفعا عن كل المعاتبات المتقادمة" في بيان من أجل الوحدة يشير إلى عدم الرغبة في المغامرة في هذا السياق . من الأسئلة التي تفرض نفسها أمام هذا الإعلان عن المسار الاندماجي ،ما هو أفق هذه الخطوة ؟ من التحديات المنتظرة أمام الأحزاب الثلاثة في المستقبل نوع الاندماج الذي سيحصل ، هل سيكون ذوبانا كاملا ، كما حصل مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي توارت رموزه للوراء ( عيسى الورديغي ،عبد الله ساعف – محمد الحبيب طالب -عبد الصمد بلكبير – لطيفة الجبابدي ….) أم سيحفظ بشكل أو بآخر حضورا مشرفا للعديد من قيادات الحزبين في المشهد الاتحادي إذا أخذنا بعين الاعتبار حضور الطموحات الشخصية في الانشقاقات السابقة ؟ ومن جهة أخرى ، خارج الثلاثي الحزبي الحالي ،ستبقى الخطوة ، إن كتب لها النجاح ، محدودة بالنظر لأسباب كثيرة منها ، ما ذكر سابقا حول غياب المعالجة الحقيقية لأسباب الخلافات ، و ثانيا لصلابة موقف جزء مهم من العائلة الاتحادية الكبرى الذي لازال خارج الدائرة ، فالمسار سيصطدم بتحالف الاشتراكي الموحد ( الطليعة ،الحزب الاشتراكي الموحد و المؤتمر الوطني الاتحادي) لأسباب تاريخية، منها: - حدة القطيعة بين حزبي الطليعة و الإتحاد الاشتراكي ، - العلاقة الغير الودية بين المؤتمر الوطني الاتحادي (كاريزمية نوبير الاموي ) من جهة و الاتحاد الاشتراكي و الحزب الاشتراكي ( هذا الأخير انشق عن المؤتمر الوطني الاتحادي ) من جهة ثانية ، - القطيعة بين الحزب الاشتراكي الموحد ( عدد من رموزه انشق عن الاتحاد الاشتراكي و على رأسهم الساسي) و الاتحاد الاشتراكي ، كما أن تيار منظمة العمل الديمقراطي سابقا داخل الحزب الاشتراكي الموحد له حساسية اتجاه حزب الاتحاد الاشتراكي لإدماجه الحزب الاشتراكي الديمقراطي (الذي انشق عن المنظمة في تسعينيات القرن الماضي )، فالترسبات التاريخية عميقة لن يجدي معها الخطاب العاطفي الذي يوظفه لشكر ، مما جعله مقتنعا بصعوبة المشوار وهذا ماجعله في الندوة الصحفية يتحدث عن مستويات وصيغ أدنى من الوحدة ( التعاون و التنسيق ..) ، رغم محاولته استدعاء ورقة مواجهة المد الأصولي و الرجعية ربما لإضفاء قوة وسرعة اكبر على مسلسل الوحدة. فجميل ان نلم الشمل لكن يجب ان نلمه على أسس صلبة وأهمها تجاوز الأسباب الحقيقية للخلاف و بأفق استراتيجي مع ما يتطلب هذا من تضحيات وأولها الاستعداد للتضحية بالكراسي ، لا أن نلمه باندفاع عاطفي أو بمناورة تكتيكية خدمة لأهداف داخلية و خارجية ، ( اندفاع ) يلغي الاستعداد التنظيمي ويغيب توفير الآليات الديمقراطية الداخلية ، كما أنه ليس في مصلحة المولود السياسي الجديد لم شمله بالتمترس ضد حزب سياسي أبان عن حضور مجتمعي و قوة تنظيمية و إعمال استثنائي للديمقراطية الداخلية ، فليس إذن من القراءة الواعية و المستفيدة من التاريخ السياسي القريب توظيف نفس الشماعة الفاشلة ، فتجربة جي 8 البئيسة لم تفلح في محاصرة هذا الحزب ، كما أنه ليس من المداخل التي ستعيد بناء الحركة الاتحادية الواسعة و القوية و المتنوعة ( كما يطمح لشكر في كلمته التقديمية ) الربط بين الكسب الديمقراطي الواقع في المغرب اليوم والتهديد الذي يواجهه من قبل الحكومة الحالية ، فهذا ليس له علاقة حقيقة بالبديل الديمقراطي الحداثي المنتظر ولا بحزب يحترم عقول المغاربة. أتمنى التوفيق لكل من يريد الخير لهذا البلد.