أخنوش يستقبل لارشير بالرباط    بتركيز على الهجرة .. المجلس الوطني لحقوق الإنسان يدرب عمداء شرطة    رئيس الحكومة يتباحث مع "ديون"    توظيف مالي مهم من فائض الخزينة    الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية تثير استغراب نقابات الصيادلة    اعتقال مواطن فرنسي بمراكش في قضية ترويج المخدرات والاختطاف ومحاولة القتل    سبيك: المغرب ينجح في إحباط مخطط "تفجيرات إرهابية عن بعد"    عن تنامي ظاهرة العنف المادي والمعنوي ضد أطر التربية..    حامي الدين: المغرب يعيش فراغا سياسيا قاتلا يفتح مستقبل البلاد على المجهول    أكثر من 130 مقاتلا مغربيا في تنظيم "داعش" في إفريقيا    تلاميذ طنجة أصيلة يتألقون في البطولة العربية لألعاب الرياضيات والمنطق ويحصدون ميداليتين ذهبيتين    هزة أرضية بالريف وهذه قوتها    العداؤون المغاربة يتألقون في ماراثون اشبيلية    الاتحاد الأوروبي يعلق عقوبات على سوريا    مراكش.. اجتماع حول المخطط الشامل للتعاون العسكري المشترك بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية    المتحدث باسم حماس: تصريحات أبو مرزوق لا تمثل موقف الحركة    إسبانيا تطرد حلاقا مغربيا من برشلونة بتهمة تجنيد مقاتلين لتنظيم داعش    جريمة مزدوجة تهز المحمدية ..سبعيني يقتل ابنته وصهره ببندقية صيد    الطالب الباحث مصطفى المحوتي يناقش رسالة الماستر حول البعد التنموي لقوانين المالية بالمغرب    ندوة بالحسيمة تسلط الضوء على حقوق النساء الراعيات للأشخاص في وضعية إعاقة    منخفض جوي يقترب من المغرب مصحوب بامطار غزيرة وثلوج    رئيس الاتحاد الموريتاني لكرة القدم يستقبل فوزي لقجع    نايف أكرد يغيب عن مواجهة برشلونة بسبب تراكم الإنذارات    الملك يهنئ رئيس جمهورية إستونيا    الكاتب الأول إدريس لشكر يهنئ الميلودي موخاريق بمناسبة إعادة انتخابه أمينا عاما للاتحاد المغربي للشغل لولاية رابعة    حريق يداهم الحي الجامعي بوجدة    فرنسا تدين استهداف قنصلية روسيا    دراسة.. ارتفاع معدلات الإصابة بجرثومة المعدة لدى الأطفال بجهة الشرق    ميناء طنجة المتوسط يستقبل سربًا من مروحيات الأباتشي    "زمن الخوف".. الكتابة تحت ضغط واجب الذاكرة    الجبل ومأثور المغرب الشعبي ..    غزة ليست عقارا للبيع!    تفكيك خلية إرهابية مرتبطة بداعش .. عمليات البحث والتتبع لأنشطة عناصر الخلية استغرقت ما يناهز السنة    سفير اسبانيا .. مدينة الصويرة تلعب دورا محوريا في تعزيز الروابط الثقافية بين المغرب واسبانيا    دنيا بطمة تعود إلى نشاطها الفني بعد عام من الغياب    الدار البيضاء.. الأوركسترا السيمفونية الملكية تحتفي بالفنان الأمريكي فرانك سيناترا    المغرب يتصدر قائمة مستوردي التمور التونسية    مع اقتراب رمضان.. توقعات بشأن تراجع أسعار السمك    دراسة تكشف عن ارتفاع إصابة الأطفال بجرثومة المعدة في جهة الشرق بالمغرب    السد القطري يعلن عن إصابة مدافعه المغربي غانم سايس    المهاجم المغربي مروان سنادي يسجل هدفه الأول مع أتليتيك بلباو    الذهب يحوم قرب أعلى مستوياته على الإطلاق وسط تراجع الدولار وترقب بيانات أمريكية    "كابتن أميركا" يواصل تصدّر شباك التذاكر في أمريكا الشمالية    غوتيريش: وقف إطلاق النار في غزة "هش" وعلينا تجنب تجدد الأعمال القتالية بأي ثمن    السعودية تطلق أول مدينة صناعية مخصصة لتصنيع وصيانة الطائرات في جدة    الصين: "بي إم دبليو" تبدأ الإنتاج الضخم لبطاريات الجيل السادس للمركبات الكهربائية في 2026    الوزير يدعم المغرب في الحفاظ على مكسب رئاسة الكونفدرالية الإفريقية للمصارعة وانطلاقة مشروع دراسة ورياضة وفق أفق ومنظور مستقبلي جديدة    مناقشة أول أطروحة تتناول موضوع عقلنة التعددية الحزبية في المغرب بجامعة شعيب الدكالي    نائب رئيس الكنيست الإسرائيلي يدعو إلى قتل الفلسطينيين البالغين بغزة    صدمة كبرى.. زيدان يعود إلى التدريب ولكن بعيدًا عن ريال مدريد … !    المغربي أحمد زينون.. "صانع الأمل العربي" في نسختها الخامسة بفضل رسالته الإنسانية المُلهمة    فقدان الشهية.. اضطراب خطير وتأثيره على الإدراك العاطفي    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مناقشة الدكتور سعد الدين العثماني حول مقاله الأخير الزلازل والكوارث ابتلاء أم عقوبة؟
نشر في أكادير 24 يوم 13 - 06 - 2023

يذهب الدكتور سعد الدين العثماني إلى أن الكوارث الطبيعية تجري وفق سنن وقوانين فيزيائية علمية أو وفق سنن اجتماعية إذا خالفها الفرد أو الجماعة حلت به المصائب ليس بسبب معصيته ولكن بسبب جهله أو تعمده مخالفة تلك القوانين التي بثها الله في الكون..
الملاحظة الجوهرية والتي لاشك عدد من القراء سيخالفون الدكتور سعد بصددها كون فضيلته يحصر المصائب في مخالفة الفرد أو المجتمع لسنن إلهية كونية اجتماعية فيترتب عن تلك المخالفات مفاسد تؤدي لحلول تلك المصائب جزاء بما كسبت أيدي الناس؛ بحيث يمكن للخبير أو العالم بالسنن الكونية والاجتماعية إدراك تلك العلاقة السببية وتجنبها أو استثمارها لصالحه..
وهذا غير مسلم..
فالعقاب الذي نزل بعاد وثمود وقوم لوط وقوم شعيب ما كان لهم تفاديه إلا بطاعة رسلهم؛ والعلاقة بين الطاعة وتفادي الكوارث خفية من الغيب الذي لا يعرف إلا بالوحي شأنها في ذلك شأن البركة في الرزق التي تكون مع الطاعة..قال تعالى في شأن أهل الكتاب (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ)
وحكى عن النبي نوح عليه السلام مخاطبا قومه ({فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل أنهارا)
فهذا موضع النزاع مع من يخالف في كون الزلازل والكوارث وإن كانت لها أسباب معلومة جيولوجيا فقد تكون لها أيضا أسباب غيبية تتعلق بالفساد الأخلاقي أو مخالفة الأوامر الشرعية..
القرآن مليء بهذا وأيضا السنة..
أعني ربط المصائب الفردية والجماعية بالمصائب وكونها عقوبات يمكن تفاديها ليس بمعرفة القانون العلمي لها فحسب، ولكن بالتسليم للأمر والنهي..
وهي علاقة غيبية لا تدرك إلا بالوحي..
ولهذا سنسميها في هذا المقال ب"السنن الغيبية" فهي سنن لأنها مطردة تتكرر، وهي غيبية لأنه لا سبيل للعقل إلى إدراكها إلا بالوحي..
من أمثلة هذه الأسباب الغيبية التي لا تدرك إلا بالوحي ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم (يا مَعْشَرَ المهاجرينَ ! خِصالٌ خَمْسٌ إذا ابتُلِيتُمْ بهِنَّ ، وأعوذُ باللهِ أن تُدْرِكُوهُنَّ : لم تَظْهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قَطُّ ؛ حتى يُعْلِنُوا بها ؛ إلا فَشَا فيهِمُ الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافِهِم الذين مَضَوْا ، ولم يَنْقُصُوا المِكْيالَ والميزانَ إِلَّا أُخِذُوا بالسِّنِينَ وشِدَّةِ المُؤْنَةِ ، وجَوْرِ السلطانِ عليهم ، ولم يَمْنَعُوا زكاةَ أموالِهم إلا مُنِعُوا القَطْرَ من السماءِ ، ولولا البهائمُ لم يُمْطَرُوا ، ولم يَنْقُضُوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلا سَلَّطَ اللهُ عليهم عَدُوَّهم من غيرِهم ، فأَخَذوا بعضَ ما كان في أَيْدِيهِم ، وما لم تَحْكُمْ أئمتُهم بكتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ويَتَخَيَّرُوا فيما أَنْزَلَ اللهُ إلا جعل اللهُ بأسَهم بينَهم) صحيح الجامع
ومما نوافق عليه فضيلة الدكتور ما يلي:
– نعم إذا خالف المطيع لربه السنن الكونية وقوانين الطبيعة لحقه الأذى والمصائب أيضا، فهذا لا خلاف حوله بين العقلاء..كمن رام القفز من أعلى متجاهلا قانون الجاذبية فلابد أن تصيبه كسور..
– أيضا مما لا خلاف حوله أن رقي الأمم وتقدم الشعوب رهين باحترام قوانين الطبيعة وسنن الاجتماع وتوظيفها في التحضر وتحقيق الرخاء..
– أيضا نوافق الدكتور على أن زمن المعجزات انتهى بختم النبوة..
لكن هو يطرد هذا المعنى في العقوبات الإلهية التي نزلت بالأقوام التي عصت رسلها..وهنا موضع النزاع مع فضيلته؛ فالله تعالى لما قص علينا من خبر تلك الأقوام فبقصد أن نأخذ العبرة مما حل بهم؛ قال سبحانه (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) وقال أيضا عقب خبره عما حل بيهود المدينة زمن النبي الخاتم في سورة الحشر (فاعتبروا يا أولي الألباب) بمعنى إذا أنتم حصل منكم مثل عصيانهم حل بكم ما حل بهم جزاء وفاقا..
جميع العلماء من عهد الصحابة إلى اليوم يومنون ان الناس قد يؤخذون بذنوبهم في الدنيا كما تفيده النصوص المتواترة غير انهم لا ينزلونها على معين فلا يقولون لمن مات غرقا او هدما هلك بذنبه وإنما يقولون الذنوب أسباب للابتلاء بلا تعيين؛ فيومنون بان الذنب سبب والسنن الكونية سبب والشيء الواحد قد يقع بأسباب متعددة والاسباب لا تتناقض فيما بينها بل تتداخل وتتكامل..
لكن لابد هنا من بيان شرط نزول العقوبات الإلهية، وهو تحقيق شرط البلاغ وإقامة الحجة لقوله تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) وقوله سبحانه (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۚ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ)..
نحن نؤمن أن ما نزل بقوم لوط عليه السلام على سبيل المثال ليس خاصا بقرية سدوم بل كلما اختل نظام الأسرة بحيث اكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء نزلت العقوبة بأهل تلك القرية؛ ثم ينجي الله الذين ينهون عن السوء..
– أما استثمار المعرفة البشرية لفهم الظواهر والوقاية منها والتخفيف من آثارها فهذا مما لا خلاف حوله وأيضا ما كان من إدراك لسنن الاجتماع والرقي الحضاري فإن للعقل مجالا واسعا لاكتشافها وحسن التعامل معها..
ولعل الدكتور سعد الدين العثماني قصده تأسيس العقلية العلمية لدى جيل الصحوة الإسلامية شأنه في ذلك شأن رواد النهضة وهم يلحظون التقدم الهائل الذي تحققه الدول الغربية بسبب احترامها لتلك القوانين والسنن بعد اكتشافها وتوظيفها لخدمة البشرية تقدما وازدهارا..
لكن هذا القصد النبيل لا يجوز أن يدفعنا لتجاهل السنن الغيبية التي لا تعرف إلا بالوحي ولا التعسف في تأويلها..
العقل المسلم هو عقل علمي مسدد بالوحي، بينما العقل الخرافي هو الذي يوسع دائرة التلقي عن الغيب خارج الكتاب والسنة؛ فيتلقى عن الرؤى والهواتف، وحدثني قلبي عن ربي، والتقيت الخضر..!إلخ
فهذا التوسع في مصادر التلقي للغيبيات هو غذاء العقلية الخرافية؛ أما الوحي قرآنا وسنة فهو معصوم..
والعقلية الخرافية ازدهرت مع الطرق الصوفية وكانت إحدى معاول الهدم في البناء الحضاري الذي شيده علماء الإسلام وخلفاؤه على مر التاريخ..
فلما جاء رواد النهضة بالغوا في نقد تلك العقلية الخرافية حتى زاحموا الوحي المعصوم أحيانا..!
والخلاصة أن الكوارث والمصائب قد تكون بسبب مخالفة السنن الكونية وقد تكون بسبب مخالفة السنن الشرعية أوأيضا بسبب مخالفة ما أسميناه في هذا المقال بالسنن الغيبية التي لا تدرك إلا بالتأمل في القصص القرآني..
التوسط والاعتدال بين النظر في الأسباب والسنن الكونية وقوانين الاجتماع من جهة والنظر للسنن الغيبية من جهة ثانية هو المسلك الأسلم في فهم القصد من حلول المصائب والكوارث..
والخلل في هذا التوازن حصل في تاريخنا وثقافتنا قديما وحديثا؛ فقوم نظروا في عالم الأسباب وحدها دون الالتفات لما وراءها من دروس وعبر ومقاصد؛ وقوم ألغوا الأسباب وتواكلوا ظنا منهم أن تركها من كمال التوكل..!!
والموفق من وازن بين الأمرين..
والله تعالى أعلى وأحكم..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.