و كأن الحراك الشعبي الذي شهده المغرب لم يعد على أن يكون سطرا بسيطا ضمن كتاب تاريخنا المعاصر .. و كأن ربيعنا النضالي مر قاحلا جافا ، لم يزهر زهورا و لم يثمر ثمرا .. وحده الشارع المغربي الذي استجاب لنداء التاريخ و نداء الجيران الذين انتفضوا ضد الفساد و الاستبداد و القهر و الإهانة. فانطلقت مباركة حركة شعبية مغربية قوامها شباب مناضل فرقته الإديلوجيات و المرجعيات الفكرية و جمعته وحدة الغاية و مشروعية المطلب . لم تكن الأحزاب المغربية آنذاك فاعلا مباشرا ، و اقتصرت على دور المشاهد المترقب . و لم تترك بصمة تذكر في صفحة سوف تحفظها صفحات التاريخ و تقرأها بكل أمانة الأجيال القادمة . رغم ذلك ، أثمر الحراك خطابا اعتبره العديد تاريخيا ، و دستورا جديدا اعتبره البعض متقدما ، و حكومة جديدة اعتبرها الكثير الأمل الأخير و فرصة الوقت بدل الضائع . و ترك النضال الشعبي للصراعات الإديلوجية تطحنه طحنا ، حيث شرع كل فصيل في جر القاطرة صوب توجهه و مبتغاه ، في غياب لأي تأطير من حكماء البلد . و فجأة و بدون مقدمات انصرفت الجماعة ، ثم انفض الجمع غير مؤسف عليه من قبل طوائف عديدة . و عادت شخصيات و أحزاب بعدما انبطحت لمرور العاصفة ، و قامت بعد حين لتحاول إعادة شرعية أسقطها الشارع و ألقى عليه لعنته الأبدية . آنذاك لوح كثير بكون الانتخابات البرلمانية هي الإمتحان الأخير و الفرصة الأخيرة ، التي بتضييعها يضيع أمن و استقرار البلاد. صناديق الإقتراع منحت حزب المصباح أكبر عدد من الأصوات بيد أنها لم تمنحه أغلبية مريحة ، فصار يفاوض اليمين و اليسار من أجل تشكيل الحكومة . فكانت البداية محرقة بتناول ملفات حساسة و دخول مجالات كانت تعتبر محرمة ، و مناقشة مواضيع كانت مصنفة ضمن طابوهات العصر . و فجأة ظهرت التماسيح و العفاريت و بدأ التشويش على أوسع نطاق . ومرة أخرى يخرج من يلوح بمحاولة جديدة لمصادرة الديمقراطية و إضاعة الفرصة الأخيرة و إدخال البلد في دوامة الفوضى و عدم الإستقرار من جديد . أثناء الحراك الشعبي كانت تنعت العفاريت و التماسيح بألقابها الحقيقية ، و اليوم استغنينا بالمجاز عن الوصف ، في وقت تكالب الجميع على جلد التجربة الجديدة و نسل المعارضون من كل حدب يتنافسون في إظهار عيوبها و كشف ضعفها . حتى خرج من بين التحالف الحكومي نفسه من ينادي بإسقاطها و يهدد بالرجوع إلى المعارضة ، غير أن مصلحة البلاد العليا تدخلت لتعيد المياه إلى مجاريها و إن إلى حين . فهل سوف نبكي يوما على ربيع مغربي لم نجن ثماره بعد ، أم أننا أكلنا يوم أكل الحراك الشعبي ؟؟