أحاول لمَّ شتات عام مضى من عمر وطني، أعيد ترتيب أرقام الأيام الهاربة، لعلِّي أُصادف ضوءا عابرا أو صورة لنا صاعدين، أو بقايا ورد، أو موعدا قريبا، فيصفعني البياض.. أبتلعُ قُرصا مضادا للاكتئاب كي لا أبدو عدميةً، أُعيد تصفح المفكرة من جديد، أنثر كل الحروف أمامي وأقلب الأيام والوقائع وشخصيات السنة، فلا أجد إلا دُمى متحركة، ولغطا وصخبا، ومعارك مقتعلة، وعُطلا طويلة، ووطنا في غرفة الانتظار، وتنزيلا دستوريا إلى الدَّرك الأسفل.. ونحن نعبر إلى العام الجديد، لن نحمل من عام مضى إلا بقايا كلمات من لافتة غضب، و صورا ثابتة من دماء على الإسفلت، وندوبا على وجه الكرامة، وأقلاما مكسرة، وأصداءَ صرخات شباب مازال مصرا على الحلم، ومواعيد كثيرة من أجل انتقال إلى الديمقراطية أجّلناها إلى حين.. كل أحلامنا الجماعية مؤجلة إلى حين، أقفلنا الأوراش الإصلاحية جميعها وعلقنا على باب سنة 2013 لافتة «مُغلق بسبب الترميم».. الأولوية لجبر الكسر المُباغت، وللاستقرار الهش، ولتدبير الربيع المغربي بأقل التنازلات السياسية والخسائر الريعية، والباقي مجرد تفاصيل ثانوية سنُدبِّرها في العام الجديد برفع الأسعار قليلا، أو بقرض دولي، أو صدقة خليجية، أو نؤجلها كالعادة إلى حين.. كلُّ الوعود التي خطبوا بها وُدَّ الشعب، مُؤجلة إلى حين.. محاربة الفساد؟.. إلى حين، لأن له حراسا نافذين. تنزيل الدستور؟.. كذبة كبرى ومازلنا غير مؤهلين. تنمية الاقتصاد؟.. إذا جاء المطر. الانتخابات الجماعية؟.. بعد عام آخر إذا طال الخريف. الجهوية الموسعة؟ بعد إعداد القوانين التنظيمية. والقوانين التنظيمية؟.. تحتاج إلى مشاورات موسعة. تحسين دخل الفئات الهشة؟.. ليس قبل تحسين دخل الفئات الميسورة.. محاسبة المسؤولين على العنف الممنهج؟.. لقد فتحوا تحقيقا. وإصلاح التعليم؟.. ليسوا مستعجلين، يبدو أنَّ ليس لهم أبناء ولا أحفاد بلا غد يموتون ببطء في المدارس العمومية… كل الوعود الوردية التي صدّقناها ذات ربيع مغربي سنة 2011، وقلنا لا بأس إن لم تزهر سريعا سنة 2012، اكتشفنا سنة 2013 أنها وَهْم، ومهدئات قوية المفعول ابتلعها الشعب الطيب إلى حين مرور العاصفة.. ومرَّت العاصفة، ومرَّ عام آخر، لا أبيض ولا أسود، لم يكن صِفرا، ولم يكن رقما صاعدا، كان متوالية من النزول في ترتيبنا الدولي في مؤشرات التنمية والديمقراطية والحقوق والحرية. عام مضى بلا جدوى، كلحظة انتظار على شرفة اليأس، كموكب جنائزي لنعي الربيع، وكحفل تنكري لتنصيب الاستبداد قدرا حتميا.. يبدو أن الاستبداد هو قدرُنا الحتمي، وأن الربيع لا يأتي إلا يوما واحدا، إكراما للحالمين، وأن الخريف أبديٌّ ومتوالية لامتناهية من السنين..