قبل 48 ساعة من تصويت مجلس الأمن على تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول جديد ملف الصحراء، تراجعت الإدارة الأمريكية عن مشروع مسودة كانت قد دفعت به إلى مجلس الأمن، ويرمي إلى توسيع مهام بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، وهي المسودة التي رأى فيها المغرب انحيازا غير مقبول لصالح جبهة البوليساريو والجزائر، اللذين يخوضان معركة دبلوماسية ضد الحل السياسي القائم على الحكم الذاتي الموسع، وأداة هذه المعركة هي حقوق الإنسان والثروات الطبيعية في الصحراء. أمريكا قوة كبرى، ولهذا فإن البرغماتية لا تنقصها، و هي تعرف كيف تدافع عن مصالحها وعن رؤيتها ومخططاتها. أمريكا تراجعت عن قرار توسيع مهام بعثة المينورسو لأن أوراقا كثيرة تحركت في الأسبوعين الماضيين. هناك، أولا، الضغط الدبلوماسي الذي مارسه المغرب على كل المستويات، من القصر إلى الحكومة إلى الأحزاب إلى المجتمع المدني، ثم هناك أصدقاء المغرب القدامى، مثل فرنسا والسعودية والإمارات، والجدد مثل الحزب الشعبي الإسباني في مدريد، الذي غير موقفه ب180 درجة، و أصبح معارضا لتوسيع بعثة المينورسو بعد أن كان متحمسا لذلك، وهناك، ثالثا، توقيف أو تأجيل المناورات العسكرية الأمريكية-المغربية في طانطان «ليون الإفريقي»، والذي كان بمثابة «جرس إنذار» من الرباط يقول: «إننا حلفاء وأصدقاء ومتعاونون مع أمريكا، لكن لا يمكن أن نسمح لهذه الأخيرة بعضنا». كان الجنرال الفرنسي الكبير شارل دوغول يقول لحلفائه البريطانيين، أثناء حرب التحرير ضد ألمانيا النازية وهو لاجئ في لندن: «دوغول لا يعض أصدقاءه، لكنه حريص على أن يعرفوا أن له أسنانا». ربحنا جولة وبقيت أمامنا معركة كبيرة ومعقدة وطويلة، وما وقع في الأسبوعين الماضيين عليه أن يبقى محفورا في ذاكرة المغاربة ومسؤوليهم، فأن تقدم أمريكا على اتخاذ قرار انفرادي ودون التشاور مع المغرب، وفي ملف تعرف مدى حساسيته بالنسبة للمغرب حكومة وشعبا، وتدفع بتوصية إلى مجلس الأمن و هي تعرف أنها ستصب المزيد من الزيت على نار هذا النزاع القادم من حقبة الحرب الباردة، عندما كان المغرب محسوبا على النادي الغربي، وكانت الجزائر و ليبيا محسوبتين على المعسكر الشرقي، فهذا يبعث على القلق، ويدفع إلى مراجعة الكثير من الأوراق في علاقتنا بأمريكا. لا يمكن أن نفصل موقف الإدارة الأمريكية في الصحراء عن موقفها من مجمل الأوضاع السياسية في البلاد، والذي يريد المزيد من الوضوح عليه أن يقرأ تقرير وزارة الخارجية الأمريكية عن أوضاع حقوق الإنسان في المغرب، وعن تصورها لنظامنا السياسي وطرق اتخاذ القرار فيه… أما تلميحات السفير الأمريكي في الرباط، وحديثه عن بطء الإصلاحات في المغرب، فهما يقولان أشياء كثيرة عن رؤية إدارة أوباما للوضع السياسي في المغرب، ولا داعي إلى التذكير بما تسرب من برقيات السفراء الأمريكيين في المغرب عبر وثائق ويكيليكس. كل هذا يجب أن نضعه أمامنا ونحن نقرأ السلوك الدبلوماسي الأخير لواشنطن، وهذا يفترض عملا دؤوبا وذكاء سياسيا ودبلوماسيا لإقناع القوى الكبرى في العالم بأن هناك مسارا للتحول الديمقراطي جاريا في البلاد… وقبل إقناع أمريكا يجب أن نقنع الرأي العام المغربي بكل أطيافه بجدية هذا المشروع، وانخراط كل القوى والسلط ومراكز القرار الدبلوماسي والأمني فيه بدون رجعة ولا حسابات أخرى خارج ثوابت الخيار الديمقراطي… توسيع حقيقي للمشاركة السياسية، واحترام تام لحقوق الإنسان، والتزام كلي بالحكامة الأمنية، وانضباط تام ل«المنهجية الديمقراطية»، وتنزيل سريع للجهوية الموسعة ولمشروع الحكم الذاتي في الصحراء… إنها الأوراق الرابحة في المعركة القادمة، حتى لا نجد أنفسنا وقد تحولنا إلى «إطفائيين» نلاحق الحرائق التي تشتعل في بيتنا، عوض أن نبني مستقبلا واعدا للمغاربة، في الشمال كما في الجنوب.