تقرأ هذه الورقة إن كان وقتك ثمينا, أما إن كنت مغربيا حقيقيا مثلي, فلن تنتبه لأي تحذير على كل حال, بل أكثر من ذلك , ستعمل عكس التحذير , تماما كما فعل أبونا آدم عليه السلام عندما أكل من الشجرة الوحيدة المحرمة عليه وسط الجنة, و ستحسب تصرفك ذلك ضمن أعلى درجات التدين لإتباعك أول نبي, و لن تلتفت لمن يعتبرك بدائيا لأنك فعلت مثل ما فعل أول إنسان , فنحن المغاربة ,من فرط تفاؤلنا, لا ننظر إلا إلى الجزء المملوء من الكاس حتى و لو شكل قطرة لا أكثر. أما السبب فهو بسيط للغاية و لا يحتاج لكثير بحث أو فلسفة : نحن شعب عبقري باعتراف الجميع ,كل أيامنا تاريخية, و كل انجازاتنا منقطعة النظير, أما أخطائنا فناذرة ,و تكون دوما بسبب الآخرين, أو بسبب الحظ, و حتى هذه تكون قابلة للتصحيح, و نشربها بكأس” من الأخطاء يتعلم الإنسان ” و”لكل حصان كبوة “. نحن شعب “ديال المعقول,أغاراس أغاراس” سمعناالمثل القائل ” الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك “و بدل التصرف كبقية خلق الله و استغلال الوقت عند توفره ,قمنا بتحويل حياتنا كلها إلى البحث الملح و المضني عن الوقت و بمجرد حصولنا عليه ( بالأحرى بمجرد قبضنا عليه) نقوم بقتله على الفور و بكل الوسائل الممكنة(بدل قطعه فقط كما يقول المثل) و لنا في هذا الباب إختراعات و اكتشافات يشهد بها العدو قبل الصديق . قد يخيل إليكم أني أبالغ …لا ضير في ظنكم لسببين : الأول أننا شعب مبالغ بطبعه و الثاني أني لا أبالغ بالمرة و سأعطيكم الدليل القاطع مثل السيف ,فما عليكم إلا أن تنظروا إلي إحصائيات ضحايا حرب الطرقات, و ما سميت حربا إلا في المغرب لأن حياتنا هنا كلها حرب و جري ( ألا نقول صباح مساء ” الحياة ما كاين غير جري عليا نجري عليك”). تجد أحدنا يسوق سيارته بسرعة جنونية في كل وقت تقريبا, فليس لديه وقت :يسرع في الصباح لأنه متوجه إلى عمله ( عندما يصل مقر عمله يصبح لديه كل الوقت وما عليه إلا أن يعمل على قتله و كل وسائل تحقيق ذلك مشروعة ) و بمجرد خروجه من مقر عمله منتصف النهار يقفل مسرعا إلى بيته بأقصى ما يمكن حتى أنه يخيل إلى من يزور المغرب أن كل العربات التي تتحرك في الطرقات سيارات إسعاف, وقد نعذر الناس بسبب قداسة وجبة الغذاء عندنا ولكن ,ما بالهم يسرعون بنفس الطريقة عند عودتهم في المساء ؟قد يكون المغاربة مصابين بفوبيا الشوارع مما يدفعهم إلى الهروب منها ولكن ,هل هناك شعبان في المغرب, شعب يكره الشارع و شعب مولع به ( لقد حطمنا كل الأرقام القياسية لاستعمار الشوارع و المقاهي )؟ آه , لقد نسيت أننا ما أسرعنا طول النهار إلا لتوفير وقت كاف نقتله شر قتلة( بل أحسن قتلة) ونتمتع بهذه اللحظات التاريخية التي تتكرر كل يوم و لا نمل أبدا من تكرارها, فنحن شعب صبور, مثل الحمار تماما أو أكثر . سعيد براتك