الهولدينغ الملكي «SNI» يواصل مسلسل تخفيض الوزن والانسحاب التدريجي من الصناعات الغذائية، فبعد بيع شركات «لوسيور» و«سنترال ليتيير» و«بيمو»، جاء الدور على «كوزيمار»، الشركة التي تحتكر تجارة السكر في المملكة. مسؤولو الشركة الوطنية للاستثمار ضربوا عصفورين بحجر احد، فمن جهة باعوا 27.5% من الشركة لعملاق أسيوي (ويلمار) من سنغافورة، يدخل لأول مرة إلى السوق المغربي، ومن جهة أخرى تركوا أكثر من 70 % من رأسمال الشركة في يد المغاربة (27% ستباع لمستثمرين مؤسساتيين مغاربة، وحصة أخرى ستباع في البورصة، فيما تحتفظ «SNI» بأقل من 30 %. حصة 27.5% بيعت للهولدينغ السنغافوري «ويلمار» ب2.3 مليار درهم، ومن المنتظر تفويت الباقي بالسعر نفسه أو أقل للمستثمرين المغاربة، وهذا معناه أن الهولدينغ الملكي انسحب من «حقل ألغام» التجارة الغذائية ذات الحساسية الكبرى في سوق مغربية صغيرة. بقي أمام العملاق «SNI» تخفيض مساهماته في مجموعة التجاري وفابنك، ليكون قد وفى بوعده الذي قطعه على نفسه في بيان مارس 2010، حيث لم يأخذ رجال الأعمال في الدارالبيضاء آنذاك مضمونه على محمل الجد، واعتبر أكثرهم أن «SNI» يناور فقط من أجل تخفيف حدة الانتقادات التي وجهت إليه باعتباره واجهة لخلط السلطة بالمال… للإنصاف، خطة انسحاب الهولدينغ الملكي من القطاعات الحساسة في التجارة بدأت حتى قبل انطلاق الربيع العربي في نسخته المغربية يوم 20 فبراير 2011، فقبل سنة من هذا الموعد كان المسؤولون عن إدارة الثروة الملكية قد شعروا بأن المجموعة كبرت أكثر من اللازم، وأن «ريجيما» قاسيا لتخفيض «الشحم» ضرورة سياسية حتى وإن كان مكلفا اقتصاديا… انسحاب الهولدينغ الملكي من التجارة والصناعة، اللتين لهما علاقة بحاجيات المواطنين المباشرة، هو خطوة هامة من أجل رسم خطوط تماس واضحة بين السلطة والتجارة، بين المال والسياسة، فحتى لو كانت الأهداف الاقتصادية من وراء اتساع حجم الهولدينغ الملكي، هي خلق مجموعات وطنية رائدة تنافس الرأسمال الأجنبي في المغرب، وعدم ترك هذا الرأسمال يتحرك لوحده في قطاعات استراتيجية ابتعد عنها الرأسمال المغربي الغارق في العقار وفي المشاريع ذات العائد السريع والمرتفع، فإن مزج نفوذ السياسة ببريق المال مضر بصورة المؤسسات، خاصة عندما تكون هذه المؤسسات استراتيجية وعلى عاتقها مسؤوليات تاريخية. المغرب اختار اقتصاد السوق منذ الاستقلال، وهذا الاقتصاد قائم على المنافسة وعلى قواعد لعب واضحة. عدد من الملوك في أوربا لهم ثروات كبيرة ورثوها عن أجدادهم، وهذا الأمر لم يمنعهم من الحفاظ عليها واستثمارها لكن وفق قاعدة: «مستثمرون وليس فاعلون» (des investisseurs et non des opérateurs)، وهذا معناه أن ثروات الملوك تستطيع أن تركب قطار الاستثمار والربح والخسارة، لكنها لا تتسلم قيادة هذا القطار حتى لا تشعر القطارات الأخرى، وكلها حساسة، بأن هناك قوانين ملكية وهناك قوانين غير ملكية. الآن الكرة في ملعب المجموعات الأخرى المملوكة لعدد من رجال ونساء «البزنس»، الذين مازالوا يحتكرون عددا من القطاعات الحيوية، ومازالوا يرون في الريع فرص ربح سهلة، ومازالوا يحاولون التقرب من السلطة لجني فاكهة سهل قطافها… انسحاب «SNI» من القطاعات الغذائية درس وعبرة للآخرين «لو يعلمون«.