منذ اسابيع قليلة ماضية عرفت الساحة السياسية الوطنية، ولا تزال تعرف جدلا ساخنا بين كل التنظيمات السياسية الحزبية الوطنية، وهو جدل ونقاش ان كان يبدو انه ذو طابع قانوني صرف مقترن بمشروع القانون التنظيمي الخاص بمجلس النواب واحكامه، الا انه يخفي بين تضاريسه السياسية صراعا حزبيا وسياسيا محموما حول مآل وطبيعة التوازنات بين حزبية المنتظر حدوثها في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. ان الحديث عن مسالة " القاسم الانتخابي" سواء باحتسابه على قاعدة عدد المصوتين في عملية الاقتراع، او على اساس عدد المسجلين في القوائم الانتخابية قد يبدو شكليا انه جدل لا يعدو ان يكون سجالا تقنيا وتنظيميا وقانونيا ليس الا. غيران حجم النقاش وحدته داخل دهاليز البرلمان وتحت قبته، او على منصات التواصل الاجتماعي، او عبر صفحات الجرائد "المستقلة" والحزبية يبين ان المشكل في عمقه هو سياسي وليس قانوني او تقني. فالرافضون و المدافعون على مشاريع القوانين الانتخابية الجديدة تحركهم المصلحة الحزبية، اما في الاستمرار لفرض الهيمنة العددية في الغرفة النيابية وتامين حصد المزيد من المقاعد الانتخابية لتعزيز القوة التفاوضية التي ستفرز الحكومة المقبلة، او تحركهم الرغبة لتلجيم وفرملة هذه الاحزاب الكبرى عدديا – لا اجتماعيا – واتاحة الفرصة للأحزاب الصغرى حتى يكون لها نصيب من المقاعد البرلمانية ، تم تشارك في المناورات السياسية لإخراج حكومة ائتلافية بإدخال وادماج الاحزاب الصغرى داخلها، او تغليب كفة بعض الاحزاب على الاخرى .. نحن في الواقع (امام صراع حول توزيع المقاعد النيابية، اي ترتيب مراكز القوة في المشهد البرلماني والحكومي المقبل.. لكن لا نظن ان الجدل حول القاسم الانتخابي وقاعدة توزيعه، تحكمه اعتبارات قانونية وسياسية خاصة بالمكونات الحزبية فقط، بل تتقاطع معه استراتيجيات ذات علاقة باختيارات سياسية، مؤسسة على فكرة التوازن داخل المجال السياسي المغربي، والسبل المطلوبة لتوجيهه والتحكم في استمراره وديمومته.) امحمد مالكي لذا يعتبر المغرب من الدول التي تأخر فيها – نسبيا – التطور المؤسسي بالقدر الذي يساعد على دعم واستكمال التطور الديموقراطي سواء في مؤسسات التمثيل السياسي او في مؤسسات المجتمع بما فيها الاحزاب السياسية والنقابات والجمعيات المهنية .. فقد اخذ المغرب بنظام " الاقتراع الاحادي الاسمي الاكثري " على دورة واحدة لسنوات عديدة تم انتقل الى "الاقتراع على اللائحة الاسمية" على اساس التمثيل النسبي عسى ان يستقيم التنافس الحزبي و( تستقيم معه الحياة البرلمانية والحكومية …لكن لم يفلح في ذلك مرة اخرى، وعدنا الى سابق ممارساتنا : تعددية حزبية عددية لا طعم لها، وبلقنة برلمانية وحكومية بروافد واذرع متنافرة وغير متكاملة الاوزان.) نفس الكاتب اعلاه وينتابنا الخوف الى اقصى حد ان هذه المشاريع الخاصة بالقوانين الانتخابية قد لا تحفز على التعبئة الجماهيرية للمشاركة في الحياة السياسية، اوقد تستهدف افراغ الطاقة الجماهيرية فيما لا جدوى من ورائه دون ان تقدم حلا للقضية الديموقراطية في المجتمع، فالديموقراطية هي كالوطن لا تتجزأ. وبدأت تجتاح وسط الراي العام موجة كبيرة من خيبات الامل على ما وصلت اليه الممارسة السياسية من انحراف وافساد …هل نتحدث عن مؤتمرات حزبية اشبه بعروض السيرك يظهر فيها الممثلون بأقنعة مزيفة ويؤدون الادوار الموكولة اليهم لإنجاح المهرجان، اما المؤتمرات التي تسمح بالحوار والنقد والانتخاب الحر للقيادات فنادرا ما تحصل الا في الاحزاب ذات الرصيد التاريخي والنضالي ؟ – هل نتحدث عن صراعات النفوذ داخل الاحزاب عوض اعتماد اسلوب الحوار الديموقراطي الذي يخصب التجربة الحزبية وينضجها وصولا الى حياة حزبية ديموقراطية مفتوحة امام الجميع دون استثناء؟ – هل نتحدث عن المساومات السرية في المؤتمرات وداخل الاجهزة الحزبية عوض الانتخاب الحر، المباشر، السري والمتساوي في كل الاقتراعات الحزبية عموديا وافقيا ؟– هل نتحدث عن النفوذ المالي والقبلي لفئة من النواب الحزبيين او للمدبرين للشأن الحزبي في الاقاليم والجهات؟ هل نتحدث عن اخفاق كل برامج ورؤى التيارات السياسية التي حملت رايات الاصلاح او التغيير..؟ هل تغيرت ملامح الديموقراطية في وطننا، فبعد ان كان يفترض فيها ان تكون وسيلة بيد المواطن للمشاركة في الحياة السياسية و تدبير الشأن العام عن طريق اختيار ممثليه بالانتخاب الحر، اصبح التمثيل النيابي وسيلة بيد البعض من هؤلاء المنتخبين ينتزعون بواسطته هذا الاقرار" الانتخابي" فينتفعون ويحكمون لحسابهم الخاص، فمن يمثل من، وماذا ؟ لدرجة ان مفهوم التمثيل اصبح في ازمة؟؟؟ كل هذا وغيره ..يستفزنا، لماذا ؟ هل لان الاحزاب خانت الممارسة الديموقراطية ؟ هذا الراي لا يعني اننا نستعدي الاحزاب او نرفضها، بل العكس ان كل المجتمعات الانسانية التواقة للتغيير هي دائما في حاجة ماسة الى الاحزاب، لان التغيير لا يمكن ان يقوم بدون الاحزاب، ولكن الحزب ليحقق ذلك لابد ان يكون معبرا عن ارادة الجماهير وان يكون ديموقراطيا بين اعضائه وبين قادته وقاعدته، لا ان يكون حزب النخبة، او حزب الادارة، بل حزبا ديموقراطيا يبيح حرية الراي ويقيم المجتمع العادل ويؤسس دعائم الدولة بالمعنى المؤسساتي الحديث. ما يميز حياتنا العامة اليوم هو السام والجمود، فديموقراطيتنا خيمت عليها موجة منقطعة النظير من اللامبالاة والقرف حتى ان عدد الممتنعين عن التصويت بدا يتكاثر ويتزايد بعد كل استحقاق ويفوق في بعض الاحيان عدد المصوتين، فماذا يعني ان اغلبية سياسية لا تمثل اغلبية المسجلين؟ كما ان اللامبالاة يفرغ مفاهيم الشرعية والتمثيلية والسيادة من معنيها !!!. هل الديموقراطية التي نمارسها ديموقراطية شكلية؟؟، وهل نستخدمها ونوظفها قصد دعم سيطرة فئات معينة ضد اخرى؟ وهنا نستحضر تعبير( الديموقراطية الشكلية) كما جاء على لسان النقابي الثوري جورج سوريل SOREL الذي يتصور المنتخبين وكأنهم (اساقفة علمانيون منحهم التهليل الشعبي سلطة غير محددة). انه في بعض الانظمة الديموقراطية النيابية قد تفوض بعض المهام المسندة للمنتخبين الى هيئات ومؤسسات وحتى الى اشخاص يملكون خبرة وتجربة للقيام بمهام يجب اصلا ان تقوم بها المؤسسات التمثيلية مما يبين قصور هذه المؤسسات المنتخبة في القيام بالأدوار المنوطة بها تشريعيا وقانونيا، وهكذا تكون السلطة داخل المجتمع تمارس – على سبيل المثال لا الحصر – من طرف الهيئات الاقتصادية (رجال المال والاعمال )، ومن طرف المؤسسات الثقافية (وسائل الاعلام وغيرها ) علما بان المسؤولين عن هذه المؤسسات والهيئات يحوزون سلطة فعلية في التأثير وفي القرار بدون ان يكونوا هم ايضا من المنتخبين، تم ان للموظفين بدورهم سلطة لا يستهان بها نظرا لما يمارسونه من تأثير مباشر على الحياة السياسية، وهكذا فسلطة المعينين في الديموقراطية الليبرالية تتجاوز بكثير سلطة المنتخبين. لذا فالأطراف المتصارعة اليوم حول نوع " القاسم الانتخابي" الذي يمكن ان تستقيم معه الحياة البرلمانية والحكومية، والقادر على ان يحقق الرهانات السياسية والحزبية المنتظرة في الانتخابات المقبلة، انما قد يزيد هذا الجدل البوليميكي الساخن حول ( نماذج التصويت) في فقدان الثقة في الاقتراع وفقدان الثقة في العملية السياسية ككل. ان وطننا في حاجة ماسة الى تعددية حزبية حقيقية وليس عددية فقط ، وفي حاجة الى اغلبيات برلمانية متماسكة، قادرة على تفعيل عمل المؤسسة التشريعية وانتاج سياسات ناجعة فعالة، وفي حاجة الى نخب سياسية جديدة قادرة على اعادة الصدقية لمفهومية التمثيلية والوساطة بوصفهما مطلبين اساسين لإعادة بناء الثقة مع المواطنين وتطلعاتهم. ليست الانتخابات هي الاهم، ولا الكل في الديموقراطية، وهي اذ تبعد عن ان تكون الشرط اللازم والكافي للديموقراطية، فإنها ان لم تحصن وتجود وتجدد فقد تعمل كذلك على تدهور الديموقراطية وعلى هدمها. ان الديموقراطية المجردة التي تخضع نظامها الانتخابي لقانون العدد وحده تنحي جانبا وظيفة الاستمرارية التي تربط بين الاجيال والطبقات الاجتماعية والقيم والمصالح والتي تتحكم بكل النظام السياسي، لكن الديموقراطية اذ تتماهى مع الانتخاب وتجعل منه الصيغة شبه الوحيدة لاختيار المسؤولين والحكام لا تلغي فقط طرق الاختيار الاخرى التي تطابق مع ذلك روحها بل تعجل ايضا بقيام حكم الصدفة والقوة اكثر مما تساعد على سيادة العقل والقانون ALAIN de .BENOIST ان الانتخابات لا تكفي لضمان الصيغة الديموقراطية لمجتمع ما فهذه الصفة تؤثر فيها سلبا قوى اخرى لا يمكن لاحد ان يؤكد انها منظمة تنظيما ديموقراطيا، واذا كانت الحياة الديموقراطية تعاني من فقر الدم فلان مؤسستها الاساسية – الاستشارة الانتخابية- لا تسمح للمواطنين بصياغة اختيارات واضحة وبممارسة مسؤولياتهم كمؤتمنين على السيادة . نفس الكاتب اعلاه يؤكد جوليان شفرني ( ليست الانتخابات هي الاهم ولا الكل في الديموقراطية ،ان الديموقراطية المجردة التي تخضع نظامها الانتخابي لقانون العدد وحده تنحي جانبا وظيفة الاستمرارية التي تربط بين الاجيال والطبقات الاجتماعية والقيم والمصالح). انه عوض الرهان على " القاسم الانتخابي " لتحقيق الديموقراطية ، لابد من الرهان اولا على الديموقراطية لتحقيق التنمية الشاملة، لان الديموقراطية هي التي تقدم مجموعة من المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية القوية التي تدفع عجلة التنمية الى الامام. وكلما زادت جرعات الديموقراطية امتلاء واكتساحا زادت تمثيلا وشفافية ومسؤولية ، وزاد الاحتمال بان السياسات والممارسات ستستجيب للأولويات الاساسية لعموم السكان. كما ان الديموقراطية بكل تلاوينها واشكالها والياتها تعمل على مأسسة الحق في تغيير القادة او السياسات عندما تسير الامور على نحو رادئ، لذا يجب ان نجعل الديموقراطية المركز الرئيسي في جداول اعمالنا الخاصة بالتنمية . ذ/ محمد بادرة/ الدشيرة الجهادية