وخيرا جلس الغريمان في صالون واحد في فيلا رئيس الحكومة بشارع الأميرات في الرباط يوم الجمعة الماضي. حميد شباط، وبعد أن أنهى جولات الشغب، رجع إلى اللعب وفق القواعد، ودخل إلى الفريق الحكومي وهو يقول لرئيس الحكومة: «سندعمكم حتى وإن طردتمونا من الحكومة». بنكيران هو الآخر تخلى عن عناده، وخفض من منسوب حساسيته الشخصية من شباط الذي اتهمه بالسعي إلى مصرنة المغرب. جلس الطرفان معا لفتح صفحة جديدة في علاقتهما. المثير أن زعماء الأغلبية الأربعة وجدوا أن تعليق خلافاتهم وصراعاتهم على ظهر الصحافة، التي تضخم كل شيء، مقدمة جيدة لكي يتحلل كل طرف من إساءته إلى الآخر، ولولا وجود وثائق مكتوبة، وأشرطة مسجلة، وحوارات موثقة، لصدقنا حكاية الصحافة التي تدخل بخيط أسود بين رؤوس الائتلاف الحكومي، التي لا يجمع بينها إلا الحب والود والغرام. لا بأس، فالسياسيون لا يؤخذون من ألسنتهم على عكس المقولة القانونية التي تقول: «تؤخذ الثيران من قرونها والرجال من أقوالهم». الذي دفع شباط إلى التهدئة مع بنكيران والرجوع إلى بيت الطاعة، ليس اقتناعه بمشروع الحكومة ولا بقياداتها، فهو يقول عن بنكيران ما لم يقله مالك في الخمر، وهو يطوف على الصالونات وفي المجالس التي تؤخذ فيها قرارات هامة أحيانا، ويقول إن بنكيران يسعى إلى بسط هيمنته على المشهد الحزبي، وإن له أجندة خفية غير تلك المعلنة، وإنه إذا ترك لوحده يقود الحكومة، ويوزع الدعم على الفقراء، ويزرع رجاله ونساءه في الإدارة، فإن بنكيران وحزبه (بالمناسبة كان يصف الحزب بحزب الجهالة والتعمية) سيحصدون في 2016، موعد الانتخابات التشريعية القادمة، ليس فقط الأغلبية المطلقة التي تعطيهم حق تشكيل الحكومة لوحدهم بلا شركاء، بل إن الحزب سيحصل على ثلثي المقاعد في البرلمان، وسيمر إلى تعديل الدستور وإلى الحد من سلطات الملكية التي تحمي التعددية والاستقرار في البلاد، ولهذا فإن التصدي لبنكيران الآن واجب وطني، ومهمة مقدسة، ومواجهة بنكيران لا تكون فقط من خارج الحكومة، بل وحتى من داخلها ولهذا يضيف شباط (نقلا عن أكثر من مصدر حضر لقاء كان فيه شباط يعرض تصوره ومخاوفه من الحكومة الملتحية، وخص فيه أكثر من وزير بكلام لا يصح نقله هنا) أن «الحكومة يجب أن تقاد من قبل الرؤوس الأربعة، ويجب أن يحصل التوافق بينها على القرارات الكبرى حتى يخرج الجميع رابحا، وألا تصب كل مكتسبات الحكومة في طاحونة حزب العدالة والتنمية الذي سيجمع الحب والتبن إذا ترك لوحده في حقل حزبي ضعيف». أما بنكيران فلا يخفي كرهه لشباط منذ أن كان هذا الأخير رأس حربة في الصراع ضد حزب العدالة والتنمية بمدينة فاس. ورئيس الحكومة كان يفضل صعود عبد الواحد الفاسي وليس حميد شباط إلى رئاسة حزب الاستقلال، ولهذا فإنه لن يسلم بسهولة في الوزراء الذين اختارهم عباس الفاسي قبل خروجه من قيادة الاستقلال، ولن يسمح بسهولة بدخول مشاغبي شباط إلى الفريق الوزاري لأنه يخاف أن يفسدوا عليه الأجواء الهادئة في المجالس الحكومية. بنكيران يعتقد جازما أن تحركات شباط وراءها ما وراءها، وأن النقابي الشعبوي جزء من خطة لإضعاف الحكومة من الداخل، ولهذا قال بنكيران، أكثر من مرة، إنه لا يفهم تحركات شباط ولا مطالبه، وإنه مستعد للخروج من الحكومة إذا طلب منه الملك ذلك، ولهذا اعتبر أن أفضل طريقة للرد على شباط هي عدم الرد عليه وتجاهله، والذهاب معه إلى أبعد حد، أي الخروج من الحكومة والذهاب إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، لأنه يعرف أن شباط لا يقدر على ذلك، وشباط نفسه كاد يخسر قلعته الانتخابية في نونبر 2011. إنها لعبة عض الأصابع، تلك التي لجأ إليها رئيس الحكومة، والخاسر فيها من يصرخ هو الأول من الألم الذي تسببه أسنان خصمه. وهذا ما حدث يوم الجمعة، حيث اقتنع الطرفان معا بضرورة الرجوع إلى الوراء وتخفيض حدة المواجهة، والبحث عن طرق أخرى لوصول كل طرف إلى أهدافه. شباط يريد أن يقتسم قيادة الحكومة مع بنكيران، ولهذا طلب منه الاتفاق على القرارات الكبرى داخل اجتماع الأغلبية قبل الذهاب إلى المجلس الحكومي والبرلمان، بالإضافة إلى إجراء تعديل حكومي يسمح لشباط بزرع مسمار جحا وسط الحكومة، أما بنكيران فيريد الهدوء وسط الحكومة، وبقاء الأغلبية منسجمة، وآلتها التصويتية في البرلمان موحدة. طبعا هناك ما هو أهم في المرحلة المقبلة، إنها الانتخابات الجماعية، وما إذا كان بنكيران مستعدا لاقتسام غلتها مع شركائه، والدخول في مفاوضات لإشراك الأحزاب الثلاثة التي تشاركه الحكومة في مقاعد مجالس الجهات والمستشارين والجماعات الترابية، أم إنه سيحكّم المنهجية الديمقراطية، وكلها يضرب على حقو!