تعاني جهة سوس ماسة في السنوات الأخيرة من ندرة حادة في الموارد المائية بسبب تواليؤ سنوات الجفاف، وبما ان اقتصاد الجهة يعتمد بالأساس على الفلاحة، وكون هذا القطاع يساهم بأكثر من 80 بالمئة من صادرات المغرب من الحوامض و البواكر، إضافة الى ارتباط مجموعة من الأنشطة التجارية والصناعية بهذا القطاع، كمحطات التلفيف وصناعة المعدات و الأدوية، فان انعكاسات ندرة الموارد المائية بالجهة تمتد الى باقي القطاعات والى الاقتصاد الوطني ككل. فما هي هذه الانعكاسات، وكيف السبيل لتجاوزها؟ 1 – وضعية الأحواض المائية بالجهة: سجلت الأحواض المائية بجهة سوس ماسة عجزا كبيرا في التساقطات المطرية في السنوات الأخيرة، ومن خلال المعطيات التي أوردتها وكالة الحوض المائي لسوس ماسة، فان الحالة الهيدرولوجية خلال الثلاث سنوات الأخيرة شهدت عجزا في التساقطات المطرية على مستوى أحواض سوس ماسة بلغت نسبة 60 في المائة، وسجلت السنة الهيدرولوجية 2019-2020 لوحدها ما مجموعه 93 مم مقارنة مع المعدل السنوي العادي المقدر ب 230 مم. هذا التراجع له تأثير كبير على مخزون الحوض المائي، والذي انخفضت معه حقينة السدود الثمانية الموجودة بالجهة لأدنى مستوياتها، حيث استقبلت هذه السدود في الموسم المطري (2019/2020) ما مجموعه 30 مليون متر مكعب، مسجلة بذلك عجزا بلغ 94 بالمئة، بالمقارنة مع السنوات الماضية التي تتجاوز 480 مليون متر مكعب. فمثلا، على مستوى سد يوسف بن تاشفين الذي يبلغ حجمه 299 مليون متر مكعب، لم يتجاوز في الآونة الأخيرة 36 مليون متر مكعب، أما سد عبد المومن الذي يسع 198 مليون متر مكعب فلم يصل حجم ملئه لهذه السنة سوى 2.9 مليون متر مكعب، ونفس الشيء بالنسبة للسدود الأخرى كسد مولاي عبد الله وسد اولوز التي تراجعت نسبة ملئها بشكل كبير، وهي السدود المعول عليها لتزويد منطقة سوس بمياه الشرب والري. هذه الوضعية المقلقة، دفعت باللجنة الجهوية المكلفة بتدبير هذه الكمية القليلة، الى اتخاذ مجموعة من الإجراءات، لعل أهمها التوقف عن تزويد مياه السقي في بعض المدارات السقوية كمنطقة ايسن والكردان، مما يشكل تهديدا للأمن المائي الذي تعارف عليه الفلاحون منذ زمن بعيد في هذه المدارات السقوية، ويضع معه مستقبل الضيعات الفلاحية في خطر. 2 – تداعيات ندرة الموارد المائية على القطاع الفلاحي: القطاع الفلاحي هو المستهلك الأول للموارد المائية، اذ يستهلك تقريبا 93 بالمئة من هذه الموارد، وهذه الندرة جعلت المنطقة تعيش أزمة حقيقية تمثلت في التخلي عن مجموعة من الضيعات، في حين بقيت بضع ضيعات فقط تقاوم لجلب الماء بخزانات متنقلة كحلول ترقيعية. وباعتبار جهة سوس، وخاصة منطقة شتوكة، تمثل 85 بالمئة من التصدير على الصعيد الوطني، بإنتاج يفوق مليون و400 ألف طن سنويا. وكون القطاع الفلاحي بجهة سوس ماسة يشغل يد عاملة مهمة، وله ارتباط مباشر بقطاع صناعي وتجاري مهم، كمحطات التلفيف وصناعة الأدوية والمعدات. فان ندره الموارد المائية تتجاوز القطاع الفلاحي في حد ذاته الى قطاع واسع من الخدمات، وتأثيره يمتد ليشمل الاقتصاد ككل. 3 – الحلول الممكنة لتجاوز هذه الأزمة: يعد البرنامج الوطني للتزود بالماء الصالح للشرب ومياه الري 2020/2027، الذي اعطى صاحب الجلالة انطلاقته يوم13 يناير 2020، بغلاف مالي قدره "115.4مليار درهم" برنامجا واعدا يهدف الى دعم وتنويع مصادر التزود بالماء ومواكبة الطلب المتزايد على الموارد المائية، مع الحد من آثار التغيرات المائية، وذلك من خلال المحاور الكبرى التالية: تنمية العرض المائي من خلال تشييد سدود كبيرة، لينتقل عدد السدود من 145 سدا كبيرا حاليا الى 179 بحلول سنة 2027، منها 14 سدا انطلقت بها الأشغال حاليا. كما يتضمن البرنامج جرد نحو909 موقعا مؤهلا لإنجاز السدود الصغيرة والتلية، وبالتالي التمكن من رفع حقينة السدود من 18 مليار متر مكعب الى 27.3. إعطاء أهمية كبيرة لتحلية مياه البحر وتشجيع استعمال المياه العادمة وضع آليات جديدة لترشيد استغلال المياه، خاصة في القطاع الفلاحي، وتعميم شبكة التزويد بالماء بمناطق العالم القروي. 4 – جهود مجلس جهة سوس ماسة لمقاومة ندرة المياه: ستستفيد جهة سوس ماسة من البرنامج الوطني، ببناء 7 سدود كبرى و13 سد صغير، إضافة الى تعلية سدين متوسطين، هما سد مولاي عبد الله وسد اولوز، وتعمل الجهة على برنامج السقي بالمياه العادمة، حيث سيتم في هذه السنة تزويد المناطق الخضراء بأكادير كلها بهذه المياه، في انتظار تعميمها على باقي المناطق والاقاليم كما صادق مجلس الجهة في دورته الأخيرة على انجاز10 سدود تلية، ضمن البرنامج الوطني، بمبلغ 300 مليون درهم، ستساهم فيه الجهة بمبلغ60 مليون درهم ووزارة التجهيز والنقل ب 180 مليون درهم، فيما ستساهم وزارة الفلاحة بمبلغ 60 مليون درهم، وسينجز المشروع على مدى ثلاث سنوات. وتعد محطة تحلية مياه البحر بشتوكة، التي من المرتقب ان تشتغل في النصف الأول من سنة2021، من بين أكبر المشاريع المهيكلة الذي تراهن عليه جهة سوس ماسة لإيجاد حل جذري لأزمة ندرة الماء اذ ستمكن من توفير مياه الشرب والري، بحلول سنة 2021 بإنتاج يصل الى 400 ألف متر مكعب في اليوم. هذه المجهودات المهمة لن تلقى طريقها الى النجاح، ما لم يكن هناك تعاون وتنسيق بين جميع الأطراف، إضافة الى اسنادها بحملات للتحسيس وسط المواطنين بضرورة ترشيد استعمال الماء في الحياة اليومية، إضافة الى تعميم برنامج الري بالتنقيط باعتباره وسيلة ناجعة وفعالة للاقتصاد في مياه الري.