في غفلة من العالم، وبدون سابق إنذار، تبعثرت سياسات ومخططات كل الدول، وخيم الرعب على أقوى اقتصادات العالم، فقط بعد شهور من تفشي وباء كورونا المستجد – كوفيد 19 القادم من الصين، حيث تمكن هذا العدو المجهري من إحداث اضطرابات صحية وسياسية واجتماعية واقتصادية مست كل سكان الأرض تقريبا، بل الأكثر من ذلك عرى هذا الوباء هشاشة التكتلات الإقليمية واستبعادها للمنظومة الصحية عن أولوياتها. أظهرت فاشية هذا الوباء ثغرات واسعة في الأنظمة الصحية لمجموعة من الدول، بالخصوص منها البلدان الإفريقية التي تعاني في مجملها من هشاشة البنية التحتية الصحية. ويتجلى أسوأ تمظهر لخطر هذا الوباء في شل الحركة الاقتصادية والاجتماعية في هذه البلدان، وهو ما يستدعي تكاثف جهود القارة الإفريقية لمواجهة هذه الآثار السلبية، تجنبا لما قد تسفر عنه من زعزعة للاستقرار. وفي هذا السياق، تقدم جلالة الملك محمد السادس برؤية استراتيجية إلى قادة الدول الإفريقية، تهدف إلى إرساء إطار عملياتي لمواكبة هذه البلدان في مختلف مرحل تدبيرها لفاشية فيروس كورونا المستجد ومواجهة التأثيرات الصحية والاقتصادية والاجتماعية للجائحة. تتطلب النجاعة الفعالة للتخفيف من الآثار السلبية لأزمة وباء كورونا المستجد-كوفيد 19 على الوضعية الاجتماعية والاقتصادية في إفريقيا، توفر مبدأين أساسيين، وهما الشفافية؛ أي إخبار الدول الإفريقية لمواطنيها بكل وضوح للتأثير المتوقع للجائحة، أما الثاني، هو الحرص على تقديم الاستشارة والنصح لصانعي السياسات العمومية في هذه البلدان. وتحقيقا لهذه الغاية، أعد الاتحاد الإفريقي دراسة علمية تحت عنوان " أثر كورونا المستجد على الاقتصاد الإفريقي"، تضمنت خلاصات عملية لحزمة من الإجراءات التي تتطلب اتخاذها لمواكبة تدبير الجائحة بالإضافة إلى إجراءات للنهوض بالقارة الإفريقية ما بعد الجائحة حتى تكون القارة على استعداد لكل المخاطر المحتملة في المستقبل. وبناء على جاء في هذه الدراسة، نوجز ما توصي به من إجراءات للبلدان الإفريقية لمواجهة جائحة كورونا المستجد، وهي كالتالي: * التحقق بشكل منهجي من جميع الحالات الموبوءة من أجل ضمان الكشف المبكر عن تفشي العدوى، وتتبع أكبر قدر ممكن من الحالات المحتمل إصابتها بالعدوى، ومنع أي الاتصال بين المرضى المصابين وغير المصابين؛ * تأمين حجر الصحي لجميع الحالات المصابة في المستشفيات أو المنازل وداخل حدود الدول، وذلك لاحتواء انتشار الفيروس في فترة قصيرة من الزمن، وتقييم ما إذا كان ينبغي تنفيذ تدابير الحجر الصحي على نطاق أوسع؛ * الاستمرار في تقديم المعطيات والإحصاءات الصحية عن تطور الحالة الوبائية والعمل مع منظمة الصحة العالمية والمراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، بهدف ضمان مراقبة شفافة للأزمة، والحفاظ على ثقة الساكنة في أنظمة الصحة العامة الأفريقية؛ * مراجعة ميزانيات الدول الإفريقية من أجل إعطاء الأولوية للإنفاق على أنظمة الرعاية الصحية بما في ذلك البنى التحتية والخدمات اللوجستية المطلوبة، واقتناء المنتجات والمعدات والمواد الصيدلانية والطبية …؛ * ü إنشاء صندوق الطوارئ للرفع من الحماية الاجتماعية، ولا سيما استهداف العاملين في القطاع غير المهيكل الذين لا يتوفرون على الحماية الاجتماعية وقد يتأثرون بشدة بتداعيات هذه الأزمة؛ * الرفع من حجم تمويل دعم البحوث الطبية والصحية، وقد أظهرت التجربة أن صناديق تمويل الأوبئة المخصص للبحث وتطوير اللقاحات تكاد تكون منعدمة في البلدان الإفريقية مما يعرقل قدراتها على الاستجابة المبكرة لمواجهة الأوبئة؛ * توفير الدعم المالي المنظم والولوج إلى قاعدة البيانات للتتبع السريع لحالات الإصابة بالوباء من أجل توسيع نطاق الحلول المبتكرة القادرة على احتواء الأزمة الصحية الطارئة. * تعزيز المشاركة الشفافة للمعلومات مع المواطنين والحد من انتشار المعلومات المزيفة "fake news"؛ * إعداد المؤسسات الصحية لرعاية مختلف الفئات المجتمع المتضررة، بالخصوص الفئات الهشة؛ النساء والشباب والمسنين؛ * النظر في الاقتراض من صناديق الطوارئ في السوق المالية الدولية لدعم الإنفاق حيث أن سعر الفائدة التجاري منخفض حاليًا، كما أن البلدان قد تعاني في هذه الفترة الحرجة من عجز مالي نتيجة لانخفاض الإيرادات الضريبية وارتفاع الإنفاق؛ * اتخاذ إجراءات اقتصادية ومالية لدعم المقاولات والمقاولات الصغرى والمتوسطة والأفراد كاستجابة فورية على توقف الوظائف المؤقتة، وذلك بهدف حماية الأنشطة الاقتصادية، مثل ضمانات ديون القطاع الخاص؛ * الالتماس من البنوك المركزية خفض أسعار الفائدة وزيادة القروض للشركات (وخفض تكلفتها) وتزويد البنوك التجارية بمزيد من السيولة المالية لدعم الأنشطة التجارية. وعند الضرورة، يجب على البنوك المركزية أن تنظر في تعديل أهداف معينة (تضخم أقل من 3٪) على أساس مؤقت وبسبب حالة الطوارئ؛ * التنازل الفوري عن جميع مدفوعات الفائدة على الائتمانات التجارية وسندات الشركات ومدفوعات الإيجار وتفعيل خطوط السيولة للبنوك المركزية لضمان استمرار الشركات في شراء السلع الأساسية دون إضعاف القطاع المصرفي؛ * إطلاق خطط التحفيز المالي للحد من تأثير وباء كورونا المستجد على الاقتصادات الوطنية، وإعداد التحفيز المالي لدافعي الضرائب المتأثرين والنظر في الإعفاءات الضريبة؛ * التنازل عن مدفوعات الضرائب في القطاعات الحيوية والإعانة المحلية من قبل القطاع العام في استجابته للأزمة، وذلك من شأنه أن يدعم المقاولات الصغرى والمتوسطة وغيرها من المقاولات المواطنة؛ * إعادة التفاوض بشأن خطط سداد الديون الخارجية والشروط لضمان الخدمة المرنة والسلسة للديون، بما في ذلك تعليق مدفوعات أسعار الفائدة خلال فترة الأزمة، وإمكانية التمديدات المحتملة لمدة الخطة؛ * الدعوة إلى وقف إطلاق النار مع المتمردين والجماعات المسلحة للتأكد من عدم وجود تشتيت في الجهود المبذولة لاحتواء الوباء، حيث يأتي انتشار وباء كورونا المستجد في مرحلة تواجه فيها بعض المناطق بالفعل تحديات هائلة من الهشاشة والصراع والعنف إما بسبب الإرهاب وعدم الاستقرار السياسي أو تغيرات المناخ. في أغلب الأزمات تتعرض البلدان الأفريقية بشدة للصدمات الخارجية، هذا الواقع العصي عن التغيير، يتطلب ضرورة إعادة النظر في تغيير الأنماط التجارية للبلدان الأفريقية داخلها ومع بقية العالم، خاصة مع الصين وأوروبا والولايات المتحدةالأمريكية والدول الناشئة الأخرى. يتعين على القارة الإفريقية تحويل جائحة كورونا المستجد-كوفيد 19 إلى فرصة للتحول الإنتاجي من أجل خلق اقتصادات قوية قادرة على الصمود أمام الصدمات الخارجية وتحقيق التنمية المستدامة لشعوبها. وذلك من خلال اتخاذ مجموعة من الإجراءات ما بعد الجائحة التي أوصت بها هذه الدراسة للدول الإفريقية، وهي كالتالي: * تنويع وتحويل اقتصادات البلدان الإفريقية من خلال تعزيز القدرة الإنتاجية للقطاع الخاص لتحويل الموارد الخام المحلية، مما يؤدي ذلك أيضًا إلى تحسين تعبئة هذه الموارد وتقليل اعتماد القارة على التدفقات المالية الخارجية؛ * زيادة الإنتاج الزراعي وتعزيز سلاسل القيمة الغذائية لتلبية الاستهلاك المحلي والقاري، يمكن إعادة استثمار جزء منه في الزراعة الأفريقية المستدامة وذلك من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء للدول الإفريقية؛ * استكمال التوقيع والتصديق على الوكالة الإفريقية للأدوية (AMA) وإقامة شراكات إقليمية بين القطاعين العام والخاص لإنتاج المنتجات الطبية والصيدلانية من أجل تقليل واردات أفريقيا وضمان مراقبة عالية الجودة للإنتاج؛ * إنشاء طرق مبتكرة للإنفاق على الصحة، يجب على الحكومات تشجيع الاستثمارات التي تعزز النظم الصحية لتمكين العلاج والاحتواء بشكل أسرع؛ * حشد الموارد المحلية الكافية للصحة لتمكين النظم الصحية من تلبية احتياجات الخدمات الصحية بما في ذلك القضاء على الأمراض ذات العبء الثقيل والوقاية من تفشي الأوبئة في القارة؛ * تسخير الثورة الرقمية لتحويل الاقتصادات الأفريقية لتحقيق أهداف أجندة 2063 ومعالجة ظاهرة بطالة الشباب، وإتاحة الفرصة لتنفيذ تدابير الوقاية عن بعد؛ كانت هذه مجمل الإجراءات والتدابير التي أوصت بها الدراسة التي أعدها الاتحاد الافريقي لتقييم أثر جائحة كورونا المستجد على الاقتصاد الإفريقي، وهي التدابير التي باشرت العديد من الدول الإفريقية تنفيذ بعضها على أرض الواقع، لكن يبقى التحدي الأصعب رهين بالتغلب على الخلافات وتوحيد القدرات على المستوى الإقليمي والقاري، فمصير الشعوب مرتبط أساسا ببراديغم التعاون المشترك والتنسيق في القضايا الجوهرية التي لا تستطيع أي دولة التغلب عليها لوحدها، وبالخصوص إذا ارتبط الأمر بفاشية جاثمة لا تعترف بالحدود الجغرافية؛ كالأوبئة والكوارث الطبيعية.