أعماله إنكسارات وشقوق في مرايا الذات، ألوانه أطياف خوف يعانق ليل طويل، أسلوبه ترانيم أشكال غريبة تمشي مقتفية آثار نمل أسود، سواد حالك بألوان ليل، لوحاته سند اقمشة والوان بسيطة، تطغى على مساحته ملامح خفي لسواد داكن، (fond noire) كثيرا ما يعيد بناءه كاستهلال أو مدخل لعمله الفني العجائبي، اعماله تفر من الموضوع فرار الزئبق من كل مادة، من كل التباس. الفاضيلي فنان عصامي منزو في ركن بإحدى مرتفعات القرى الجبلية باكادير، يستمع لصمته وصراخه في آن واحد، في محراب مرسم بسيط يعج بالأشكال وتحف تقليدية قديمة يستجمعها، ترى هنالك اشياء مترامية الأطراف تعكس بساطة عيشه، هو إذا نمط وبنية تفكير بسيط حول معيش يومي يسكن هم ثقافة. تحضر في أعماله المرأة الوجلة الجريحة بقوة في جل لوحاته، وتحتل مساحة كبيرة في تفكيره كذلك، لماذا؟ الفاضيلي وحده يملك الجواب والصمت؟ هذا الفنان يعيش بين تفاصيل دقيقة في نمط حياة عادية وغير عادية، ينتابه خوف يحتل مساحة وافرة من انشغالاته، فلكل لوحة تفاصيل وتجاعيد وقصة، ولكل قصة كذلك معاناة ووقع في احساساته التي تدفعه الى التعبير بهذا الشكل وهذا الأسلوب والطريقة. انطلقت رحلة هذا العصامي الذي لم يرد مدارس الفن ولا اساليبه منذ حوالي 25 سنة، عندما كانت دفاتره المدرسية أسندة (إسكيسية لكروكيهات) أو بالأحرى رسومات انفعالية متواترة، لكن المثير للغرابة والدهشة في اعمال هذا الفنان العصامي الخجول والمتواري عن الأنظار، كونها اعمال تنم عن غرابة الفنتاستيكا ( Fantastique ) فرغم كونه يعتمد طريقة أو أسلوب بسيط، يخلو تماما من ترف تجارب المادة والايقاعات اللاإرادية ومحاكاة العفوية والتلقائية المفرطة، هذا الفنان العصامي كسر هذه الألغام والمتاريس، وتكاد بساطته وإخلاصه اللامشروط تقوده الى أسلوب ذاتي شخصي منفرد من حيث التيمة والتناول والغرابة، التي تشد المتلقي امام أعماله الخرافية، (ليس كمصطلح تنقيصي)، بل كنمط فني حيث تلتقي إرهاصات العادات الاجتماعية الموغلة في فكره و التقاليد الخرافية كموضوع، لتجاور طريقة واسلوب تعبير تشكيلي وجمالي فريد. من خلال ملاحظة لهذه الاعمال القديمة والجديدة والتطور الحاصل، يتضح انها تعكس واقع بسيط من حيث التناول المفاهيمي للانشغال والهم الفني لديه، الذي يجد له صدا بين توالي موجات وترددات خطوط، أحيانا تنسجها ممرات نمل أسود، أو ملامح وجوه واقنعة بالية وتراجيدية، ومجموعة متوالفة أخرى لحشرات وحيوانات وأوراق شجر وزهور… ترسم نوعا من الفنتازيا والايقاعات البصرية المتراقصة الدائرية أحيانا أو المستوية في تراكيب تلقائية ينسجها على منواله الخاص (des plans et compositions). أسلوبه الفني فريد من نوعه، يحيا بين الغرابة والعجائبية والخوف الذي يتمالكه من مستقبل غامض، ولسان حاله كما الاخرين يقول ماذا يخبئ لي المستقبل؟ فقط هو اهتدى لسبيل يعبر من خلاله على ما يخالجه من أحاسيس:( رهيفة –عفوية – تلقائية …) تنتصب بين الألوان والاشكال ذات البعد السيكولوجي النفسي. يقول عبد الرحمان فاضلي: (ينتابني خوف كبير من المستقبل؟ … حيث بما أني أجهل ما الذي سيقع غدا فانا أعيش خوفا من أشياء عدة) ثم يعرج في أطراف حديثه لي على المرأة فيقول: (المرأة في مجتمعنا منتهى الضعف والضغط الاجتماعي المفروض عليها… مثلا امرأة عانس او عاقر. ارملة أو معاقة أو مجنونة معانتهن تفوق معاناة الذكور…) كل لوحاتي سيدات يعانين في دواليب قهر المجتمع التقليدي لأداور المرأة، انها تتوارى للخلف للعيش في السواد حيث يأكل أطرافها النمل الأسود، وبعيدا عن الانوار في أماكن أخرى أكثر قتامة. في تحليل تقني لأعماله، نلاحظ انسابية وتوالي تراكيب خطوط بألوان، تحاكي أمواج عاتية متداخلة متلاطمة، كما تتراءى كذلك مسارات متعددة لجحافل نمل تأتي على الأخضر واليابس تتصاعد أحيانا وفي كل الاتجاهات وكأنها تفر من جيوش سليمان… :(أخاف من أن يدركني يأجوج ومأجوج…) يعلق الفاضيلي. فنان عصامي تنتابه حالات إغماء وطيران فني عندما يهم برسم لوحة جديدة، لا يعرف تفاصيلها ولا يحدد مدخلها ولا مخرجها إلا بعد الاشراف على الانتهاء منها، لا يبحث عن التوازان، أو تحديد تركيب معين ودقيق للعمل، منتهى العبث الفني والجمالي المتحرر والمصدف كذلك، قد تكون هذه هي التلقائية الحقيقية التي تشبه لحدما رسوم أطفال بعيدا عن وحدة الموضوع، أو بالأحرى: هو نوع من الاغماء والحضرة التشكيلية عند هذا الفنان العصامي. يعتمد كذلك باليت ألوان (Palette simple) بسيطة خليط ألوان مائية أو (اكريليك) وبعض الاحبار الطبيعية، وإطارات (كادرات) من خشب يكسوها قماش محضر بمواد ولصاق بسيط، يطغى عليه لون اسود شامل عادة هو جزء من خوفه السرمدي المصاحب، وحضور أعشاش نمل يطوف ويكتسح أطراف وجغرافيا اللوحة. الخوف والنمل والخطوط الكرافيكية المتموجة المتتالية ترسم ملامح تراجيدية لنساء مقهورات الذوات في مجتمع يأكل اجسادهن النحيفة نمل ونمل… هي أعمال تختزل مفهوم الغرابة وتخترق بواطن الخوف. فاضلي فنان يستحضر ببساطة وتلقائية عمق ذاكرتنا الجماعية أو ثقوب تقاليدنا السوداء التي تلتهم كل محاولة تحرر وتحديث في المجتمع، أعمال فنية تنتصر لمفهوم الغرابة والعجائبية، حداثية وحرة التفكير والتعبير، تفر من أغلال السائد جماليا، نظيرتها تنتصر لفن وثقافة الشعوب الاصيلة. الأستاذ: رشيد فاسح فنان تشكيلي كاتب مقالات في الفن التشكيلي والجماليات