رحلة في قلب عاصمة القمار المغربي هي أكادير..عاصمة جهة سوس ماسة درعة..وواحدة من أكبر المدن المغربية..وأفضل وجهة سياحية بالمملكة بعد مراكش..تتميز بطقس صحو طوال السنة..وبشاطئ ممتد على الكثير من الكيلومترات..وكذلك..باحتضانها لعدد من صالات القمار.. أكادير هي عاصمة القمار المغربي بامتياز، فهي مدينة تتوفر على ثلاث صالات للقمار بالمواصفات العالمية، مقابل قاعتين في مراكش، وقاعة في طنجة، وأخرى في الجديدة، وهناك حديث جدي عن قاعة جديدة بورزازات في السنوات المقبلة. حكايات عديدة تتناسل داخل هذه الصالات..فهناك من باع كل شيء من أجل إرواء عطش إدمانه بالقمار..لدرجة أن وصل به الأمر للتسول بعد أن كان يملك تقريبا كل شيء..وهناك من طلق زوجته وشرد أبنائه من فرط عشقه لألعاب الطاولة..وهناك من فضل القمار حتى على حياته.. اخترنا في رحلتنا أحد الكازينوهات الكبيرة الثلاث بعاصمة سوس..الاختيار لم يكن بشكل اعتباطي أو بشكل انتقامي..ولكن لأن هذا الكازينو يمثل نموذجا متكاملا لصالة القمار بالمغرب.. هسبريس تصحبكم في رحلة مثيرة لإلقاء الضوء على نوع خطير من الإدمان..إدمان صالات القمار.. أكادير: عالم للقمار يناديكم.. ممر طويل يفصلك بين بوابة الكازينو المذكور والمدخل المباشر إليه، أول من يستقبلك هو رجل أمن خاص بنظرات حادة، يدقق في ملابسك وفي وجهك جيدا، ثم يدعك تمر، لتكتشف عيناك هذا الفضاء الخاص جدا، والذي حسب العديد من مصادرنا، تصل أرباحه شهريا إلى ما بين 4 إلى 7 ملايير سنتيم.. ينقسم الفضاء إلى 3 أقسام، هناك قسم مخصص لمطعم الكازينو، حيث يشرب ويأكل الزبناء، في الوسط هناك قسم مخصص لألعاب الطاولة، وهناك قسم ثالث مخصص لألعاب الآلة.. ألعاب الطاولة تنقسم إلى قسمين كبيرين هناك ما يسمى ب Black jack، حيث يلعب مسير اللعبة -والذي يسمى بلغة القمار ب”كروبيي”-النرد أمام الزبناء الذين تتوقف عملية حظهم على الورقة الصحيحة، وهناك قسم مخصص ل roulette وهي تلك اللعبة التي يراهن فيها اللاعب على مكان استقرار الكرة الصغيرة داخل تلك الآلة التي تدور بسرعة في اللحظات الأولى، ليخف دورانها بعد لحظات، فتستقر الكرة التي تجري داخلها في رقم واحد هو الرابح من الأرقام ال 36 .. تعد ألعاب الطاولة الألعاب الأكثر شعبية بهذا الكازينو، حيث يؤمها عدد كبير من الزبناء يوميا، يشرف على تسييرها أجانب مع العلم أنه لا يوجد قانون يحتم إلى إدارة الكازينو تكليف الأجانب فقط بهذه المهمة، هم شباب وشابات سحنتهم ولونهم يظهر على أنهم قادمين من بلدان أوربية، ويظهر جليا أن اختيار هؤلاء للعمل ليس اعتباطيا، وإنما قائم على عدد من المقومات كالجمال والرشاقة والمهارة.. في كل طاولة، يجتمع تقريبا 6 زبناء جنسياتهم مختلفة: هناك مغاربة، خليجيون، أوربيون، أسيويون..خليط بشري يستقبله هذا الكازينو الذي لا يكتفي فقط بأغنياء القوم، بل حتى بمتوسطي الدخل، بعدما اكتشفنا وجود بعض الشباب الذي يقامرون بمبالغ بسيطة، حيث أن ثمن القمار يبدأ من 10 دراهم ويصل ل 2000 درهم، ومن الممكن أن تخسر هذه الألفي درهم في رهان واحد لا يدوم أكثر من 5 ثواني.. هناك قسم آخر مخصص لألعاب الآلة، حيث يلعب الزبون لمفرده دون أن يشاركه احد في ذلك، يوجد في هذا القسم عدد كبير من الألعاب ك hot and wlid، the game of life، the jade monkey وما إلى ذلك من الألعاب التي لا تشهد إقبالا كبيرا رغم كثرة الآلات الموجودة، هامش ربح الكازينو من هذه الآلة على ما يقال هو 7 في المائة، أي أنه من الممكن أن يربح زبون ما مقداره 93 في المائة من المال الموجود داخلها. داخل الكازينو، هناك حركة دائبة لا تتوقف، رجال الأمن الخاص يراقبون كل صغيرة وكبيرة، المكان مليء بكاميرات المراقبة، وإذا ما شكوا في شخص ما، يلاحقونه بنظراتهم ولا يغفلون عنه أبدا..نادلات يتدللن على الزبائن حيث يعتبر الزبون ملك الملوك في هذا المكان..ومسيرو الألعاب يتغيرون تباعا..يلجون مدخلا صغيرا، ثم يخرج غيرهم لاحتلال أماكنهم.. يوجد هذا الكازينو في ملكية شركة عالمية على رأسها رجل أعمال إسرائيلي، يعمل حوالي 23 ساعة في اليوم، أي تقريبا دون توقف، يستقبل تقريبا 400 زبون في اليوم، الكثير منهم يعدون زبناء أوفياء، حيث يعمد الكازينو إلى تقديم الخمر والسجائر لهم بالمجان ما دام يربح من وجودهم، حيث يصرف الكازينو ما مقداره 2 مليون سنتيم يوميا فقط في السجائر الممنوحة للزبناء. موطن الإفلاس قصص كثيرة لمواطنين ومواطنات أصيبوا بالإدمان نتيجة لعبهم المستمر داخل هذا الكازينو، يبقى أشهرهم موظف سابق بإحدى مقاطعات أكادير، فقد تحولت زياراته الأسبوعية للكازينو إلى زيارات يومية، يمني النفس خلالها بالفوز بمبلغ خيالي من المبالغ المعروضة، وكان يزيد من حماسه الأخبار التي تتحدث عن فلان الذي ربح الملايين في رمشة عين والآخر الذي قاده حظه بعد جهد جهيد من رجل متوسط الحال إلى مليونير بالمدينة.. هذه الأخبار الرائجة، إضافة لتطمينات الكثير من زملاء الكازينو بأن دوره للربح سيحين يوما ما، جعلت من هذا الموظف زبونا وفيا للكازينو، يأتي مساء كل يوم مطاردا حظه، الذي لم يبتسم له أبدا.. الأجر البسيط الذي يتقاضاه كل شهر لم يعد يكفيه لمداعبة أحلام فوزه كل ليلة، فصار العمل الغير الشرعي هو ملجأه بعدما أضحى يوقع على وثائق مزورة وغير صحيحة بمقابل كبير، استمر على هذا الوضع مدة من الزمن، حيث وفر له عمله الغير الشرعي مدخولا ماديا مكنه من الاستمرار في لعبة مطاردة الحظ.. غير أن لجان المراقبة علمت بأمر هذا الموظف، ليكون مصيره الحالي التنقل بين ردهات المحاكم في انتظار حكم يتوقع الكثيرون أن يكون صارما.. بعيدا، عن هذا الموظف، توجد حكاية أليمة لامرأة كانت تعد واحدة من أغنياء أكادير، غير أن إدمانها على الكازينو جعلها تفقد كل شيء، فقد تحولت مجرد هواية كانت لديها في البداية إلى كابوس سرق منها متاجرها ومحلاتها، وجعلها امرأة منبوذة بين أصدقائها وأقربائها.. تحولت هذه المرأة من حال اليسر إلى حال العسر، فمن تلك المرأة التي كانت تزهو بمالها ومركزها، إلى تلك المرأة المثيرة للشفقة وهي تتجول كل يوم بين طاولات القمار ، وكثيرا ما يمنعها رجال الأمن الخاص من الولوج للكازينو، لأنها تقلق الزبناء بطلباتها المتكررة لهم إقراضها القليل من المال قصد اللعب.. هناك أيضا حالة شخص آخر، كان فلاحا من الفلاحين الأغنياء مدينة أولاد تايمة، شغفه بمدينة أكادير جعله يتعرف على صالات القمار، فقد كانت أرباحه كبيرة لدرجة أن تبذير المال بأكادير كان عادة أسبوعية لديه ولدى الكثير من أصدقاءه في الميدان الفلاحي، على اعتبار أن تغيير أجواء مدينة أولاد تايمة والانطلاق نحو سهرات باذخة بأكادير، كان تقليدا يدأب عليه فلاحوا أولاد تايمة الأغنياء، وهذا ما يتبدى من شهادة بعض نادلي حانات أكادير من أنهم يفضلون زبناء أولاد تايمة على سياح قادمين من أوربا، نظرا لأن جيوبهم سخية.. تعرف هذا الفلاح على صالات القمار لم يخضع لتدرج ما، فمنذ الليلة الأولى صرف الملايين من السنتيمات كما تقول مصادرنا، وعادة مرة أخرى في الأسبوع الموالي لصرف نفس القدر من المال وأكثر، لتتحول بعد ذلك زياراته الأسبوعية إلى يومية جعلت حسابه المصرفي يتضاءل يوما بعد يوم.. النتيجة كانت الإفلاس التام، تراكمت عليه الديون من كل حدب وصوب، وصار الدائنون هم أكثر من يطرق باب منزله، أما زوجته، فلم تستطع تحمل إدمان رجل غير كل شيء في حياتها من الأحسن إلى الأسوء، فكانت نهاية علاقتها الطلاق رغم الأبناء الذين يجمعونهما.. مساهمة صالات القمار ضئيلة في الاقتصاد الوطني أكد المحلل الاقتصادي إدريس بنعلي أن اختيار المغرب لسياحة النخبة الراقية وليس للسياحة الجماهيرية هو الذي حتم عليه الاستنجاد بهذه الكازينوهات، بحيث لا يمكن جلب هذه طينة راقية من السياح إلا بوجود صالات القمار، غير أن المغاربة الذين يرتادون هذه القاعات، وإن كانوا قلة، فهم من الطبقة العليا التي تفضل صرف أموالها في صالات القمار بالمغرب وليس في صالات قمار إسبانية أو فرنسية كما كانت تفعل في السابق، يقول الخبير الاقتصادي. وأفاد بنعلي أن صالات القمار موجودة في كل بلدان العالم، وأن الاقتصاد لا يتم تدبيره بالأخلاق، ولكن بقانون السوق، ولا يمكن للدولة منع مواطنين من التوجه لهذه الصالات ما داموا يدرون عليها مبالغ هامة بحكم الضرائب المرتفعة، وقد يؤدي منعهم من القمار بكل أنواعه إلى عواقب اقتصادية لا تريدها الدولة، مضيفا أن قطاع القمار في المغرب ليس بالمتطور، ويشكل نسبة ضئيلة من الاقتصاد الوطني، ولا يدر مداخيل مهمة على الدولة. وبخصوص مستقبل صالات القمار في المغرب في إطار الحكومة الملتحية التي أعلنت الحرب على إعلانات القمار بالإعلام العمومي، قال بنعلي أن مواقف حزب العدالة والتنمية كأفراد شيء، ومواقفه داخل الحكومة شيء أخر، وبأن الحكومة مجبرة على اتباع الطريقة نفسها للحكومات السابقة في تسيير ميدان الاقتصاد، وبأنه مهما بلغ حماستها لإطلاق التصريحات ، إلا أن الكثير من الأمور ليست بيدها، بل بيد لوبيات اقتصادية هي من تحدد مستقبل البلد الاقتصادي. الإدمان على القمار..المرض الخفي كانت الشركة المغربية للألعاب والرياضات قد قدمت في تقرير سابق لها أن الذين يتعاطون للقمار بمختلف أنواعه، يصلون لقرابة 3 ملايين مغربي، ينفقون ما قدره 2,7 مليار درهم سنويا على القمار، غير أنها لم تقدم إحصائية دقيقة حول نصيب صالات القمار من هذا العدد المرتفع، حيث تقول بعض الأرقام أن نسبة الزبناء المغاربة داخلها تصل ل90 في المائة. وفي هذا السياق يتحدث المحلل والخبير الاجتماعي حسن قرنفل عن أن الفرق الخطير والذي يجعل الإدمان على القمار أخطر أنواع الإدمان هو ما يتعلق بكمية الاستهلاك، على اعتبار أن المدمن على التدخين أو على الكحول مثلا لديه قدر معين من الاستهلاك اليومي الذي لا يستطيع تجاوزه بالنظر لطاقة الجسم على التحمل، بينما القمار ليس لديه قدر معين من الاستهلاك اليومي، ويمكن للمقامر الاستمرار في اللعب ما دام يتوفر على المال اللازم، وهو ما يتسبب بتفقير فئات كبيرة من الشعب وتشريد عدد من الأسر. وفي جوابه عن سؤال متعلق بإمكانية تحول الإنسان خاصة الأطفال من بعض الألعاب العادية كالنرد وألعاب الحاسوب إلى ارتياد صالات القمار، قال قرنفل أن الأمر يبقى قليلا وضعيفا، ما دام الإقدام على القمار يتطلب قدرات نفسية معينة وشخصية قوية بعيدة عن تلك التي تتطلبها الألعاب البسيطة، وهو ما تؤكده النسبة القليلة من الساكنة التي ترتاد هذه الصالات. وقد تحدث الخبير الاجتماعي عن إشكالية حماية الفرد من القمار ما دام الأمر يدخل في إطار الحرية الشخصية وبمحض إرادة الإنسان، وبالتالي فليس بمقدور الدولة أن تفرض على الأفراد سلوكيات معينة، بحيث يبقى الإنسان هو سيد قراره في مثل هذه السلوكيات. ماذا بعد؟ قطاع القمار بالمغرب يبقى قطاعا ملغوما، فرغم الحديث عن أن الدولة تؤطره من خلال قوانين معينة، إلا أن ما يطرحه من إشكال إدمان المواطنين وإفلاسهم، يطرح عددا من الأسئلة حول دور الدولة في حماية المجتمع رغم تعقد المهمة خاصة وأنها مرتبطة برغبة الأفراد وحريتهم في التصرف بأموالهم. الضرائب المرتفعة لصالات القمار لديها دور في دعم القطاع السياحي، فالمغرب يجني ملايين الدراهم سنويا بسبب مثل هذه الكازينوهات ، إضافة لكون مدينة كأكادير تراهن بشكل كبير على مثل هذه الصالات لجلب السياح، فزبون واحد يرتاد هذه الصالات خير –في قاموس السياحة- من عشرة زبناء لا يستهلكون في المدينة شيئا غير ما يدخل في “فورفي” سفرهم.. لكن يبقى السؤال عن كيفية حماية المواطن المغربي من الإدمان وبالتالي حمايته من الإفلاس، وما دامت وزارة الاتصال فتحت النقاش مؤخرا حول مرور الوصلات الإعلانية للقمار على التلفاز، فهل تكون للدولة الجرأة للحديث عن كيفية حماية المواطن المغربي من القمار كي لا يسقي بذور أحلام ليس أغلبها في النهاية سوى أوهام؟