سيجد المراقبون الذين يبحثون عن الانسجام والوضوح وعدم التناقض في تصريحات السيد عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، وكلامه الكثير، صعوبات كبيرة، وسيقفون حيارى إزاء ما يأخذون من كلام ثاني سلطة في البلاد. بعد مدة قليلة من وصوله إلى رئاسة الحكومة، قال بنكيران إن غريمه السابق، فؤاد عالي الهمة، لم يعد خصما، وإن العداد conteur قد رجع بينهما إلى الصفر، وإن الهمة، بعد أن غادر جرار البام ودخل مستشارا إلى القصر الملكي، لم يعد عدوا للمصباح. ثم زاد بنكيران من قفة توابله وقال إن الهمة شخص لطيف، وإن رئيس الحكومة يحظى بثقة الملك ودعمه، وإنه مرتاح مع القصر أيما ارتياح، وإن الملك قال له: «لا تلتفت إلى أي تعليمات تأتيك تخالف الدستور حتى وإن كان مصدرها الديوان الملكي». أول أمس، رجع بنكيران، في حواره مع جريدة «إلباييس» الإسبانية، وقال: «أنا والهمة لسنا عدوين. توجد بيننا منافسة، ولكننا نحاول أن نحافظ على علاقات جيدة. ننجح أحيانا وتفشل أخرى». ليتصور قارئ هذه السطور أنه إسباني لفت انتباهه حوار مع رئيس حكومة مغربي إسلامي في أول يومية إسبانية، وقرأ أن رئيس الحكومة المنتخب يتنافس مع مستشار في الديوان الملكي، وأن رئيس الحكومة المغربية يقول في القرن ال21 إن المغاربة غير مهتمين بالملكية البرلمانية، ولا مهمومين بتغيير الوضع القائم. وإذا لم يفهم الإسبان هذه العجائب المغربية، فالسيد بنكيران يشرح لهم أكثر: «نحن نسيّر الحكومة ولا نملك كل السلطة. نحن نملك جزءا من السلطة، لكن في المغرب لا يوجد تعايش كما هو الشأن في فرنسا، فصاحب الجلالة هو رئيس الدولة ونحن نشتغل معه كما هو منصوص عليه في الدستور». أي دستور هذا الذي تتحدث عنه يا سيد بنكيران؟ الدستور المكتوب أم غير المكتوب؟ الفصل الأول من الدستور يقول: «تستند الأمة إلى أربعة ثوابت مرجعية: الدين الإسلامي، الوحدة الترابية، الملكية الدستورية، ثم الاختيار الديمقراطي»، والفصل 11 يقول: «الانتخابات الحرة والنزيهة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي». الفصل 41 يعطي للملك صلاحيات دينية بصفته أميرا للمؤمنين بشكل حصري، والفصل 42 يوضح صلاحيات الملك في رئاسة الدولة، وهي التحكيم وصيانة الدستور والاختيار الديمقراطي وضمان الاستقلال. وحتى الفصل 47، الذي يعطي للملك سلطة تعيين رئيس الحكومة، قيد يديه بنتائج الانتخابات: «يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها». أما عن حكاية التعايش فالعكس هو الصحيح، فالدستور المغربي ترك مساحات كبرى لتعايش الملك مع رئيس الحكومة في تحديد السياسات العامة، وفي التعيينات الاستراتيجية التي تمر من تحت اقتراحات رئيس الحكومة. فباستثناء الدين والأمور العسكرية، الباقي كله إما مشترك بين الملك والحكومة، أو هو متروك لهذه الأخيرة، وهنا تبرز الحاجة الملحة للتأويل الديمقراطي للدستور الذي لا يبدو أن السيد بنكيران مهموم به في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ المغرب.