قرابة مليونين ونصف مليون امرأة يتعرضن للعنف في الأماكن العامة. الرقم أورده بحث المندوبية السامية للتخطيط. هو رقم مهول. لكن ثمة رقم فظيع ومؤلم، وهو ذاك الذي يمثل النساء اللواتي قضين من أجل لقمة عيش وقوت يومي. هذه السنة لفظت امرأة واحدة كل شهرين أنفاسها بمعبر سبتة، عندما كن يحاولن الخروج بالسلع التي حملنها على ظهورهن وإدخالها إلى المغرب، لتكون الحصيلة ستة قتلى. آخر الضحيتين سجلتا يوم الإثنين الماضي. جميعهن ممن يقضين الليل بجانب بوابة العبور في انتظار أولى خيوط الفجر ليكن سباقات إلى ولوج المدينة وحمل البضائع التي تفوق وزنهن أكثر من مرة، يتجمعن بالآلاف ثم يحشرن في الممر الضيق الذي أنجزته السلطات الإسبانية، والذي بالكاد يسمح بمرور شخص واحد. ما أن يتضاعف عدد العابرين حتى يبدأ التدافع بقوة. بعض الشبان يرفضون الوقوف في المعبر فيشرعون في تجاوز النساء، ما يؤدي إلى سقوطهن، وبفعل الاكتظاظ القاتل يتسلسل التساقط، ويستمر التدافع الشيء الذي يؤدي إلى مرور بعضهم على أجساد النساء اللواتي سقطن. عل مواقع التواصل بلغ الاستنكار حدودا غير منطقية وجلد الضحية عوض أن يتجه نحو المتسبب في هذه الفوضى. البعض ما أن يحز في نفسه شيء ما أو يمر به إحباط، حتى تنتفخ أوداجه، ويسخط على الوطن، معتبرا ذلك شجاعة. في رأيي المتواضع، فإن الهشاشة التي تدفع البعض إلى امتهان حرف متواضعة، هي أمر يوجد في كل المجتمعات حتى تلك التي تنعم في ثراء البترودولار، وعدد من الدول الأوروبية التي ترمي بهذه الفئة في المآوي. صحيح أن المسؤولين يتحملون مسؤولية توفير شروط الحياة الكريمة لكل مواطن، لكن في حالة سبتةالمحتلة، فإن السلطات الإسبانية هي السبب بإذعانها في انتهاك كرامة العابرين من ممتهني التهريب المعاشي. في كل مرة تعمل السلطات المحتلة للمدينة على إنجاز معبر آمن لتنظيم العبور، لكن في كل مرة تقع المآسي التي تستغلها حيتان التهريب الكبرى، والتي يتواطأ معها الجميع لأنها تتكلم لغة المال والرشاوى. كان بإمكان السلطات الإسبانية أن تنجز ممرا أوسع من الحالي، ومجهز إلكترونيا لضمان العبور بأمان، وأيضا لضمان مراقبة المعبر، والسلطات المغربية نبهت نظيرتها أكثر من مرة إلى هذا الأمر، لكن إسبانيا كانت مصرة على المعبر المذل، واكتفت ببعض الإجراءات التنظيمية للتخفيف من حدة الاكتظاظ، وأيضا للتحكم في مرور كل حمال وحمالة من ممتهني التهريب المعاشي مرة واحدة في اليوم. لقد حان الوقت لكي تفتح السلطات المغربية ملف المعبر مع نظيرتها الإسبانية، فأرواح هؤلاء المواطنات أغلى بكثير من كل المتواكلين، إذ إن أغلبهن لا يرتمين في المعبر المذل طلبا لثروة أو تحقيق منافع ذاتية، بل هن يعلن أسرا كاملة، ففي المساء عندما يعدن إلى بيوتهن يجدن أفواها في انتظار قوت يومها. كل ما تحلم به نساء المعبر هو حياة كريمة لأبنائهن كي يحققوا الأحلام التي عجزن هن عن تحقيقها، لكنها أحلام تتحول كل يوم إلى كابوس يزهق أرواحهن المناضلة. السكوت على مثل هذه الجريمة يعد جريمة، والسلطات المغربية مطالبة بالتحرك دفاعا عن مواطنيها.