كل الشهادات عن المعارك الأخيرة التي دارت في مدينة سرت الليبية بين مسلحي تنظيم "فجر ليبيا" من جهة وتنظيم "داعش" من جهة أخرى تدعم ملاحظة كان كثير من المتخصصين في الشأن الليبي يلحون عليها منذ أشهر، ومفادها أن تنظيم "الدولة الإسلامية " أو "داعش" لديه فعلا خطة لفرض نفوذه في القارة الإفريقية لعدة أسباب. ومن دواعي اهتمام تنظيم "داعش" بالقارة الإفريقية، أنه يجد في عدد هام من التنظيمات الجهادية في منطقة الساحل الإفريقي وشمال القارة الإفريقية معينا هاما يتغذى منه للقيام بأنشطته الإرهابية لا في "بلاد الشام والعراق" فحسب بل في أماكن كثيرة أخرى انطلاقا من مبدأ أن الخلافة الإسلامية حسب منطق " داعش" لا حدود لها. ومن المجموعات الإسلامية المسلحة والمتطرفة في القارة الإفريقية والتي بايعت المدعو أبا بكر البغدادي الذي نصب نفسه خليفة على المسلمين، نذكر " تنظيم جند الخلافة" في الجزائر و"جماعة أنصار بيت المقدس" في سيناء و"جماعة بوكو حرام" في نيجيريا. وقد بايعت هذه الجماعة البغدادي في بداية شهر مارس الجاري. وما يركز عليه المهتمون بالشأن الليبي في اهتمام تنظيم "داعش" بليبيا اهتماما خاصا في مشروع "الخلافة الإسلامية" الذي يقول التنظيم إنه يسعى إلى تجسيده اليوم أن هذا الاهتمام يعزى إلى عدة عوامل أساسية في إستراتيجية "داعش" بشأن طرق إنجاز مشروعه. فهناك قناعة لدى هذه التنظيم بأن إعادة بناء الدولة الليبية ربما يحتاج إلى سنوات كثيرة وأنه من مصلحته استغلال هذا المعطى للتمكين لنفسه في ليبيا بسبب ثروتها النفطية وثروات أخرى يمكن أن تفيد اليوم وغدا تمويل أنشطة التنظيم في القارة الإفريقية وفي بلدان المتوسط الشمالية والجنوبية وتوسيع رقعة المعسكرات التي يتدرب فيها المنخرطون في فكر " داعش" وإستراتيجيته أو " الجهاديون " الذين يمكن إغراؤهم بالمال قبل إرسالهم إلى الجهاد" في كثير من البلدان الإفريقية أو المتوسطية. وإذا كان تسويق مفهوم الخلافة عبر القارة الإفريقية في نظر تنظيم " داعش" خطوة إستراتيجية نوعية من شأنها مساعدته على التخفيف من وطأة الضربات التي يتلقاها أكثر فأكثر في العراق بشكل خاص، فإن إستراتيجية مواجهته في القارة الإفريقية معقدة جدا لأنها تمر مبدئيا عبر عدة إجراءات لا يمكن التوصل إليها بين ليلة وأخرى، ومنها إقامة تحالف عسكري قوي وإرساء تعاون أجهزة الأمن والمخابرات في كل دول إفريقيا بالتعاون مع دول العالم الأخرى. ولعل أهم الحلقتين في هذه الإستراتيجية المفقودة حاليا هما اللتان تتعلقان بالاستثمار في ثقافة المواطنة وبمنح شباب منطقة الساحل وشمال إفريقيا ثقة بالمستقبل من خلال إنقاذه من البطالة وجعله أداة فاعلة في العملية التنموية.