برفضها السماح مجددا للمقرر الخاص بحقوق الإنسان في هيئة الأممالمتحدة دخول أراضيها، تكون الجزائر قد جددت العهد مع عدم التزامها بالشرعية الدولية وضربت عرض الحائط مقررات الهيئة الأممية. وعلم لدى مصدر دبلوماسي بجنيف أن الجزائر رفضت من جديد السماح بزيارة المقرر الخاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، لوضع حد لسنوات من التأخير، وذلك على الرغم من أن الجزائر تعرف حسب منظمات محلية ودولية عشرات الآلاف من حالات الاختفاء القسري لم يتم الكشف عن مصيرها، في غياب أي تعاون جزائري مع الهيئات المختصة في الأممالمتحدة. فالجزائر وهي ترفض، مرة أخرى، السماح لهذا المقرر القيام بمهامه الأممية المتعلقة بحقوق الإنسان ومناهضة التعذيب إنما تؤكد شيئين أساسيين، أولهما تخوفها من اطلاع الأممالمتحدة على حقائق ما يجري على الأراضي الجزائرية من خروقات لحقوق الإنسان ضدا على الأعراف والمواثيق الدولية التي تدعو هيئة الأممالمتحدة إلى الانخراط فيها وتنفيذها بيد من حديد، وثانيهما التحدي السافر الذي اعتاد الحكام الجزائريون أن يمارسوا لعبته كلما تعلق الأمر بمصير المواطنين الجزائريين وارتبط بأعلى منظمة دولية هي الأممالمتحدة، علما أن حقوق الجزائريين ظلت مغيبة ومهضومة في جزائر المليون شهيد منذ حصولها على الاستقلال في 1962 ليستفحل هذا التغييب و"الهضم" في العقود الثلاثة الأخيرة، أي منذ اندلاع الحرب الأهلية بسبب الإرهاب الجزائري، ليشتد تغييب الحقوق وهضمها أكثر مع الفترة الأخيرة من حكم عبد العزيز بوتفليقة، وبالضبط مع تمديد حكمه لولاية رابعة بغياب أية ديمقراطية، وهو التمديد الذي تم بالرغم من أنوف الجزائريين أي بالإكراه. وإذا اشتهرت الجزائر بهضم حقوق الإنسان فإنها صارت مرجعا سالبا في التعذيب والقصاص من المواطنين بمختلف الأنواع التي ليس لها من وجود إلا في مخيلة المرضى بالسادية، وعلى رأسهم الحكام الجزائريون. علما أن حكام الجزائر واصلوا "مفلحين"، منذ سنوات التسعينيات، منع دخول عشرة مقررين خاصين، ولاسيما المقرر الخاص المعني بمسألة الاحتجاز التعسفي، والخبير في الحقوق الثقافية ومجموعة العمل المعنية بحالات الاختفاء القسري أو اللاإرادي. وبما أن الجزائر اعتادت الإبداع في التملص من المسؤوليات بالمراوغة والكيد، فإن سلطاتها رفضت مجددا السماح للمقرر الخاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان بدخول أراضيها مستعملة العديد من الشروط والقيود التي تحول دون القيام بهذه المهمة على أكمل وجه. هكذا أكدت نصيرة ديتور الناطقة باسم "تجمع عائلات المفقودين في الجزائر المعروفة اختصارا ب (إس أو إس مفقودين)، التي انتقلت إلى جنيف بمناسبة انعقاد الدورة الخريفية لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أن المفاوضات بشأن زيارة المقرر استغرقت أكثر من ثلاث سنوات، خصوصا أن الأممالمتحدة مضطرة للوقوف عن كثب على مصير العديد من الجزائريين الذين شملهم الاختفاء القسري وهو المعضلة الحقوقية التي أصبحت تشكل ملفا شائكا يقض مضجع الحكام الجزائريين الذين يخشون منذ سنوات الآليات الدولية لحقوق الإنسان الاطلاع عليه ويضربون له ألف حساب للتستر عنه. وعلاقة بالموضوع، ندد في الجزائر العاصمة، ممثلو عائلات ضحايا الاختفاء القسري، خلال ندوة صحافية عقدت في بداية الأسبوع، بموقف السلطات التي ما تزال ترفض تسليط الضوء على قضية المختفين، وأكدوا أن "ميثاق السلام الذي تم التصويت عليه في سنة 2005 أساء معالجة هذا الملف"، مشيرين إلى القضايا التي تمت إحالتها على الهيئات الدولية والتي أدينت فيها الجزائر، خاصة من قبل لجنة حقوق الإنسان بالأممالمتحدة. وكانت خمس منظمات غير حكومية دولية لحقوق الإنسان، قد حثت في فبراير الماضي السلطات الجزائرية على السماح بزيارة محققيها وكذا محققي الأممالمتحدة، وفقا لالتزاماتها باعتبارها عضوا في مجلس حقوق الإنسان. وأعربت العديد من منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية في رسالة وجهتها للحكومة الجزائرية، عن استنكارها لكون "الجزائر التي التحقت مؤخرا بمجلس حقوق الإنسان، منعت المقرر الأممي الخاص حول التعذيب ومجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة حول الاختفاءات القسرية أو غير الإرادية، من الدخول إلى ترابها، على الرغم من طلباتها المتكررة." كما أعربت هذه المنظمات غير الحكومية من ضمنها "هيومان رايت ووتش" ومنظمة العفو الدولية، عن أسفها لكون الجزائر تمثل "البلد الوحيد في المنطقة الذي يفرض قيودا من هذا النوع على فاعلين معترف بهم في مجال حقوق الإنسان".