قبل شهور قليلة، خرجت إحدى الصحف الجزائرية بكذبة ما أنزل الله بها من سلطان، مفادها أن العاهل المغربي محمد السادس لم يلق خطابه التقليدي بمناسبة انتهاء السنة الدراسية بالمدرسة المولوية، وألقاه ولي العهد مولاي الحسن، ويسرح بها خيالها المريض إلى القول إن الملك، الذي ظل خلال الحفل جالسا، سيسلم لابنه مقاليد الحكم. وظنت الصحيفة، التي تدور على "محور" الكذب والافتراء طيلة الأربع والعشرين ساعة، أن خبرها هذا سيزلزل قواعد الاستقرار في المغرب، مما سيسمح للجزائر أن "تلعب" كما شاءت. بعد هذا اخترعت صحف جزائرية أخرى حكاية مرض بالجملة لكل من الملك كان وقتها بباريس والأمير رشيد، والأمير هشام، والأمير إسماعيل، وأنهم يتابعون العلاج بالولاياتالمتحدةالأمريكية. اليوم، تدلي قناة "نيوميديا نيوز" الجزائرية الإخبارية بدلوها برمي "قنبلة" من الكذب تحاول أن تقنع نفسها به أولا قبل إقناع الناس. ولكي تتجنب الحرج الذي وقعت فيه وسائل إعلام جزائرية سابقة حول صحة الملك، زعمت أن "مصادر عليمة" أخبرتها بأن الملك في حالة صحية "حرجة"، وأن اجتماعات طارئة للأسرة الملكية بالمغرب من أجل البت في الوضعية الصحية للملك، والبحث في سبل خلافته. هنا يتأكد جيدا التخلف الذي تغرق فيه "المصادر العليمة" في أجهزة مخابرات النظام العسكري. يقول مثل مغربي: "من الخيمة خرج مايل". هذا ما ينطبق تماما على قناة "الكذب نيوز" التي فضحت نفسها بنفسها مع أن قنوات الدنيا نقلت بالصوت والصورة الملك محمد السادس وهو في تمام الصحة والعافية رفقة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي، في حفل افتتاح أحد أكبر المراكز التجارية بالعاصمة الإماراتية، علما أن الملك يقوم بزيارة خاصة لدولة الإمارات العربية المتحدة التقى خلالها بأشقائه المسؤولين الإماراتيين. خرجت القناة المذكورة مائلة من دهاليز المخابرات الجزائرية، التابعة مباشرة للعسكر، لتنفث السم الزعاف الذي مدته به الأجهزة المذكورة لتضخها في قناة البث المباشر للكذب، وصور لها خيالها المريض أنه بمجرد بث "الخبر العليم" ستحدث الفتنة في المغرب. أليس هذا ما يسعى إليه أركان النظام الجزائري؟ أما الكذبة المفضوحة فتلك التي أطلقها رئيس الديبلوماسية الجزائرية، رمطان لعمامرة، باتهامه المغرب بوجود "أطماع توسعية" لديه. وبالمناسبة، فالرجل لا يدع أية مناسبة تمر دون توجيه الاتهامات للمملكة، منذ أن تسلم حقيبة الخارجية في بلده. وهذه هي ديبلوماسية الكذب. لأن النظام مريض مرض رئيسه، فهو يريد أن ينقل مرضه إلى جهة أخرى، وبالتحديد إلى المغرب: مريض بأوهام متعددة من قبيل أن الجزائر مستهدفة من جميع دول الجوار: من تونس وليبيا وموريتانيا والنيجر.. ومن إسبانيا وفرنسا، وما جاورها، وفي مقدمتها المغرب؛ وأن جميع المشاكل التي تعاني منها، المغرب هو الذي يكون وراءها؛ إذا وقعت كارثة طبيعية، فالمغرب هو الذي حول اتجاهها إلى الجزائر. والمغرب هو الذي عرض جنسيته على الشاب خالد بغية استخدامه ضد بلده الجزائر؛ والمغرب كان وراء وفاة المغني الشاب عقيل في حادثة سير؛ والمغرب وراء التظاهرات الغاضبة التي تعرفها مختلف الولاياتبالجزائر، ووراء الحكم الذاتي الذي يطالب به الطوارق والقبائل؛ بل حتى مرض بوتفليقة بسبب المغرب. وحين يجف خيال الأجهزة الاستخباراتية الجزائرية ويصاب بحالة عطب في جهازه الدافع لاختراع الأكاذيب العجيبة، يقوم بنشر إشاعات تخوف المواطنين الجزائريين من الإقبال على شراء الأكباش المغربية بدعوى أنها مصابة بأمراض خطيرة، أو أن المغرب يسرق البنزين الجزائري .. والدجاج الجزائري.. وقس على هذا القالب من الكذب ما يسمح به الخيال. ولأن الوضع العام في الجزائر (الغنية) على صفيح ساخن، فليس أقرب من المغرب وتونس وليبيا وموريتانيا وما جاورها، لتحويل اهتمامات الشعب الجزائري وصرف أنظاره باختراع عدو وهمي خارج الحدود التي أشرف النظام الجزائري بنفسه على إغلاقها إلى أجل غير مسمى، وأطلق طائراته الحربية، وفيالقه العسكرية في مناورات "الفتح المبين" لمراقبة الحدود بدعوى رصد تحرك الجماعات الإرهابية في الصحراء الشاسعة، بينما يقوم في الحقيقة بدور دركي المنطقة لمراقبة حركة المهاجرين القادمين من بلدان جنوب الصحراء، ومطاردتهم، واعتقالهم، وتعذيبهم قبل الرمي بهم في الفيافي والقفار حيث يموت العديد منهم عطشا وجوعا. ألم يرم الرئيس الجزائري الراحل الهواري بومدين، الذي جاء إلى السلطة على ظهر دبابة، بعشرات الآلاف من المواطنين المغاربة على الحدود في ظروف لا يمكن وصفها سوى بالمأسوية وغير الإنسانية، وفرق بينهم وبين أبنائهم وأزواجهم، وصادر ممتلكاتهم وكل ما ملكت أيديهم.. فقط لأنه لم يطق سماع خبر ملحمة المسيرة الخضراء التي أبدعها، فعلا، المرحوم الحسن الثاني من أجل استرجاع الصحراء؟ أليس هو من أطلق العنان لوسائل إعلامه لنشر شائعة أن المغاربة يموتون من الجوع، ويتم جمع جثثهم من الشوارع في شاحنات..؟ من هنا خرج الكذب. ألم نقل إنه خرج من الخيمة مائلا؟ إذا لم تستح فاكذب كما شئت. حمادي الغاري