عندما اخترنا التعليق على أحداث تونس الأخيرة ورحيل بن علي اخترنا زاوية غير مرئية مع اشتداد الحماس الشعبي وكتبنا بناء على القاعدة الأصولية القائلة "لا قياس مع وجود الفارق" اخترنا ذلك لأننا نعرف أن هناك فروق شاسعة بين تونس وبين المغرب، فالأول بلد البايات التابع للعثمانيين والبلد الذي تمكن منه التغريب اجتماعيا والثاني بلد حضارة، يجهلها التافهون من أبنائنا، وبلد يصنع مشروعه السياسي المنسجم مع العصر دون التخلي عن مقوماته الرئيسية. كنا نريد أن نقول إنه بلد استثنائي في كل شيء. وعندما يتحدث الأمير مولاي هشام عن المغرب ينسى أنه من الاستثناءات الجميلة هو أن سمح له الملك الراحل الحسن الثاني بممارسة نزواته والتفرغ لها وبالطريقة التي يريد متجاوزا أعراف الدولة المغربية وخصوصا طقوس الدولة العلوية ولم يشترط عليه شيئا سوى أن يعمل ذلك خارج أسوار القصر، ولكن مولاي هشام لم يستوعب حكمة عمه الذي يعتبر من عمالقة العالم على مستوى الفكر، كان يريد منه أن يكون الرجل المنسجم مع ذاته لكن هيهات فإن التقدم في السن ليست مدعاة للنضج وقد تكون بالعكس رجوعا القهقرى. هذا الأمير لم يستوعب اللحظة واختار التعبير وسط جوقة سوقية بل اعتمد عليها في ممارسة شغبه الذي لا علاقة له بالفكر الديمقراطي ولكن بالابتزاز، وبدل أن يكون الرجل الذي هو اختار أن يكون تابعا ومتبوعا، متبوعا لجاهه وتابعا لأنهم يملون عليه عناوين البروباغندا، واختار إلى جنبه صحافي فشل في إدارة مقاولة إعلامية إنه أبو بكر الجامعي المدير السابق للجورنال ايبدومادير. ما الذي يجمع بين أمير حصل على إشارة الحرية من عمه وابن أمير كان بعيدا عن السياسة إلا فيما يطلب منه وعمه واحد من كبار القادة في التاريخ وابن عمه ملك لا يكل من التجوال في ربوع الوطن بناء وتنمية وبين صحافي فاشل ابن صحافي متقلب الهوى؟ لا يجمع بين الطرفين سوى طموحات بسيطة، فالرجلان يقودان حربا ضد المغرب من أجل تأسيس جمهورية وهمية يكون مولاي هشام، بعد أن يتخلى عن سيرته وسيرة آبائه وأجداده ولقب الأمير الذي يمنحه نوعا من البريستيج العالمي، رئيسا لجمهورية في أذهان الحمقى وأبو بكر الجامعي وزيرا أولا فيها. ألم يشارك الإثنان في حرب موحدة ضد المغرب، ألم يكن أبوبكر الجامعي يخدم أجندة خارجية وهو في المغرب؟ ألم تعتمد منظمة هيومن رايتس وتش على التقارير التي يكتبها في منشوره لوجورنال؟ ألم يلتق في الهدف ذاته مع مولاي هشام حيث أنه أصبح عضوا بالمجلس الإداري للمنظمة المذكورة والتي تناهض المغرب كثيرا وفي جل الأوقات تكون تقاريرها منحازة جدا؟ ورغم أن مولاي هشام حاول إبعاد التهمة عن نفسه من خلال قوله أنه لا يتدخل في تقارير المنظمة الدولية الحقوقية فيما يخص المغرب إلا أن العارفين بالموضوع يعرفون أن بصماته واضحة في القضية. إن ما لم يستطع أن يستوعبه الأمير مولاي هشام، وهو أيضا من استثناءات الحكم العلوي في المغرب، هو أن الأمراء لا يتدخلون في الحكم وليست لهم مناصب رسمية في الدولة، وهذا ما يزعج مولاي هشام أي أن يبتعد الأمراء عن الحكم إلا في استثناءات أيضا كأن تصبح للا جمانة سفيرة في بريطانيا.هذا الوضع أزعج مولاي هشام الذي حاول منذ بداية العهد الجديد الضغط من أجل أن يجد له موقعا يحكم منه ويتحكم بواسطته في مراكز القرار. نسي الأمير مولاي هشام، الذي يتربع على عرش ثروة ضخمة، أن والده المرحوم مولاي عبد الله كان من أهل المشورة والرأي ولم يكن من أهل الحكم ونسي أيضا أن الحكم يتناقض مع طموحاته الصغيرة التي من أجلها قال له الحسن الثاني اعمل ما شئت خارج أسوار القصر. وعندما فقد مولاي هشام البوصلة أسس مؤسسة "مولاي هشام لأبحاث العلوم الاجتماعية حول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" وهي مؤسسة جمع فيها الناعقين الذين يعتقدون أنهم وصلوا القمة في التفكير وفي علم الاجتماع السياسي، أليست هند عروب صاحبة الأطروحة "كوبي كولي" هي من يديرها؟، ويبدو من خلال أهداف المؤسسة أنها قبو لطبع منشورات تستفز الحكام وهي وسيلة ابتزازية لأن لمراكز البحث في العلوم الاجتماعية معايير لا يمكن الحياد عنها مهما اختلفت النظريات الاجتماعية المتبناة، بل إن ما يسعى إليه مولاي هشام هو أن يحول المؤسسة إلى أداة للتحريض من خلال ما تنشره من بحوث يسميها علمية تتحدث عن الأزمة في العالم العربي وخصوصا المغرب، ويمكن أن نقول إنها منظمة سرية تتجه لزعزعة الاستقرار في المغرب من خلال ما يوحيه لأتباعه وخلصه وأوفيائه من باعة الكلمات والوهم. ويعتبر أبو بكر الجامعي ناطقه الرسمي الحالي ووزيره الأول في جمهوريته الوهمية، وهما يتحركان في تناغم واحد وصل حد بعث الرسائل التحريضية من خلال مجلة لونوفيل أوبسرفاتور، لكن فاقد الشيء لا يعطيه، فأبوبكر الجامعي فقد كل شيء في المغرب بعد أن بار خطابه التيئيسي الذي لم يعد يجدي نفعا فاختار المنفى في أجواء مخملية رغم ألا أحد طلب منه أن يرحل عن البلد الذي يتسع حتى لبعض المتنطعين الذين يقولون إنهم جمهوريون أمثال زعزع وندية ياسين، لقد اختار الرحيل بعد أن أفشل مجلته وأغرقها في الديون وفي الغرامات القضائية، فهو يحاول أن يظهر بمظهر المنفي السياسي رغم أنه لم يكن موقف سياسي واضح ولكنه تهرب من أداء الضرائب حيث أن إدارة الضرائب والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مدينون له بمئات الملايين. ويتحدث الاثنان عن المؤامرة وهما يعرفان جيدا أنهما من ممارسيها، فقد مارسها الأمير، الذي تحول من أحمر إلى أزرق مع الاعتذار للهجة المغربية، مارسها عن طريق الأموال وملايين الدولارات والأوروهات ومن خلال ما يغذقه على أنصار جمهوريته الوهمية ناكثا بذلك عهده لعمه الملك الراحل أن يبتعد عن السياسة متفرغا لنزواته البسيطة. فالأمير الأزرق يتحدث عن التغيير وعن الديمقراطية وطموحه مجرد أن يكون حاكما بشكل من الأشكال ويتحدث عن تقليص الهوة والفوارق بين الطبقات وهو يشكل طبقة لوحده يصعب على الفكر الماركسي وعلى اليساريين الذين حاولوا حينا التحالف معه أن يصنفوه ضمن التحليل الطبقي، لقد أصبح طبقة من خلال مراكمة الثروات على حساب قهر العاملين لديه. هذا الأمير الذي راكم الثروات تلو الأخرى ويتحدث عن تقليص الفوارق الطبقية لم يعمل شيئا لتشغيل المغاربة أصلا فهو يمتص من خيرات المغرب ويستثمر في الخارج. آخر طلعات رئيس الجمهورية الوهمية ووزيره الأول هو خروجهما الإعلامي البئيس لاعطاء دروس للمغاربة حول الأوضاع الاجتماعية وقد تبين أن الرئيس ووزيره الأول أصبحا خارج منطق التاريخ وأن منهجهما في التحليل لا يتجاوز الكتابات الانشائية للطلبة المبتدئين ولا علاقة بمراكز البحث والدراسات العميقة، وحاولا وضع مقارنات وقد انتقلا من العلوم الاجتماعية بقواعدها والتي لا يعرفان منها إلا إسمها إلى المقارنة في علم السياسة والذي لا يعرفان منه إلا قواعد التآمر والضرب تحت الحسام وأساسا الابتزاز. إن كل التحاليل الموضوعية فندت أطروحة الرئيس ووزيره الأول حيث لا قياس مع وجود الفارق وتاريخ المنطقة يقر أن المغرب بلد مستقر وخطى خطوات غابت بالكل عن محللي آخر لحظة. فالذي لا يريد الرئيس ووزيره الأول الاعتراف به هو ألا أحد فرض عليهما الخروج من المغرب بل هما من اختارا المنفى الذهبي رافضين تنسم هواء المغرب وتقاسم الشدة والرخاء مع المغاربة لأنهما اختارا مجاورة الشقراوات ومحلات التسوق الراقية، لا عيب أن يكون لكل اختياره وذوقه لكن إذا كان من أهل النزوات البسيطة فلا حق له في إعطائنا الدروس من المنفى المخملي ولا حق لهم في الحديث باسم المغاربة الذين لا يعرفون عنهما شيئا. ورغم أنهما من النكرات في المغرب فإن الوهم هو الذي يتحكم فيهما وفي لا شعورهم وفي وعيهم الشقي أنهما يزعزعان استقرار المغرب ويكسران هذا النموذج حتى يقولوا لأسيادهم أنه لا خصوصية في المغرب. فلقد اختار مولاي هشام، الذي فشل في أن يكون حاكما لأن التقاليد المغربية ترفض ذلك، ان يكون رئيسا لجمهورية وهمية واختار أبو بكر الجامعي، الذي كان ينتظر منصبا مهما بداية العهد الجديد، أن يكون وزيره الأول.