مع انسحاب ايهود باراك من حزب العمل يواجه العماليون الاسرائيليون الذين تقلص حجمهم في الكنيست الى ثمانية نواب, اخطر ازمة في تاريخهم تهدد حتى وجود هذا الحزب اليساري الوسطي على الخريطة السياسية الاسرائيلية. وهذا الانسحاب المفاجىء ادى على الفور الى استقالة ثلاثة وزراء عماليين رفضوا اللحاق بباراك ووجدوا انفسهم بين ليلة وضحاها في المعارضة. ويعتبر حزب العمل الذي تأسس في 1965 باتحاد تشكيلات سياسية عدة من اليسار والوسط, وريث حزب ماباي (الاشتراكي) الذي تراس الحكومات الاسرائيلية منذ انشاء دولة اسرائيل في العام 1948. وبعد خسارته السلطة في 1977 اصبح الحزب العمالي بقيادة شيمون بيريز شريكا في الحكومات الائتلافية بين 1984 و1988, ثم تولى السلطة مجددا في 1992 بقيادة اسحق رابين. وبعد اغتيال رابين في 1995 على يد متطرف يهودي خسر العماليون الانتخابات في السنة التالية. ولم ينجحوا منذ 15 عاما في تولي قيادة اي ائتلاف الا بين 1999 و2001 بقيادة ايهود باراك. وبعد ان تعرض لانتقادات حادة لادارته المفاوضات مع الفلسطينيين ثم بسبب الانتفاضة الثانية, انسحب باراك من الحياة السياسية تاركا وراءه حزبا مستنزفا قادته تباعا خمسة شخصيات مختلفة وخسر اصواتا في كل اقتراع. ثم عاد على رأس العماليين في العام 2007. وقد تراجع عدد مقاعد العماليين في الكنيست من 23 في 1999 (مقابل 54 في 1965) الى 18 مقعدا في 2003 و2006 و13 في 2009, مسجلين بذلك اسوأ نتيجة في تاريخ حزبهم. ولم ينجح الحزب اليساري تقليديا في الاحتفاظ بجسم انتخابي شعبي كاشفا بشكل صريح عن برنامج اقتصادي ليبرالي. وقد ادى فشل المفاوضات مع الفلسطينيين في العام الفين الى اندلاع الانتفاضة الثانية التي تميزت باعمال العنف وتشدد الرأي العام الاسرائيلي مع ازدياد شكوكه ازاء خطاب الاحزاب اليسارية. ويرى النائب العمالي السابق نسيم زفيلي سفير اسرائيل في فرنسا بين 2002 و2005 ان "ايهود باراك لم يكن ابدا عماليا حقيقيا". وقال زفيلي في مقابلة مع وكالة فرانس برس "لقد تسبب بكثير من الاضرار للحزب ولدولة اسرائيل. ورحيله يبعث على الارتياح. انها خطوة ايجابية لانهاض الحزب العمالي من الوضع الرديء التي يتواجد فيه, وذلك بسببه الى حد كبير". ويرى ان مصير الحزب مرهون بما سيفعله النواب الثمانية الباقون بعد انسحاب باراك. وقال "آمل ان يعرفوا كيف يتوحدون حول رئيس جديد وبرنامج يساري وسطي قادر على اقتراح بديل للمستقبل". وبرر باراك مبادرته منددا في تصريح صحافي بوجود "انزلاق الى اقصى اليسار" في الحزب العمالي. وقال الوزير العمالي المستقيل بنيامين بن اليعازر "للاسف الشديد شهدنا اليوم امرا لا يمكن تصوره : رئيس واعضاء من الكتلة النيابية يرحلون", متهما باراك بانه "بصق في وجه الحزب". وقالت النائبة اينات ويلف احد البرلمانيين الاربعة الذين التحقوا بايهود باراك في حزبه الجديد, لوكالة فرانس برس, انها تأمل "بان يتمكن الحزب العمالي من النهوض من هذه الازمة" لكنها تعتقد انه لن يجد بعد الان مكانه. واضافت "ان اصواتا ارتفعت داخل الحزب للانسحاب من الائتلاف (الحكومي), وتغيير الرئيس وتطبيق سياسة تميل اكثر الى اليسار. وتركنا لهم الحرية".واعتبرت "انه من المهم ان يستمر الحزب العمالي بالوجود لكن لا اعلم ان كان الامر ما زال ممكنا".