يصر كريم غلاب، وزير التجهيز والنقل، على امتهان حرفة المظلوم حينا وعلى اعتبار شخصه الكريم فوق الدستور. ففي بعض اللحظات ينهار حد البكاء من جراء احراجات المعارضة وحتى جزء من الأغلبية وثارة ينتفض ليواجه مناوئيه بأنهم عصابة مهمتها خرق القانون للإساءة للوزير الذي تحدى الجميع وخلق التوتر وما زال يخلقه منذ سنتين. لما أخرج كريم غلاب كل سيوفه لخوض الحرب من أجل تمرير مدونة السير كان يظن أن البلد متوقف على إبداعاته القانونية التي لا رابط بينها وبين الواقع. لما أخرج مدونة السير الموسومة بأنها سويسرية نسي أنه وزيرا للتجهيز مقدما على النقل وبالتالي على وزارته تجهيز الطرقات القاتلة قبل أن يكون المتسبب هو خرق القانون، وطالما سميناه وزير النقل دون التجهيز وهو الذي لا يدخل هذه الوزارة ضمن اهتماماته. لقد نسي كريم غلاب أو تناسى أنه مرر مدونة السير، التي لا تعتبر إنجازا بقدر ما تعتبر كارثة، من خلال التزاماته تجاه الفرقاء الاجتماعيين والتي خالفها كلها ونسي أن مدونة السير هي أول قانون في تاريخ المغرب يصدر مخالفا للدستور إذ أن القوانين تصدر ممهورة بالطابع الملكي إلا مدونة السير هي التي حددت تاريخ بدء تنفيذها في مخالفة واضحة للأعراف والقوانين حيث بعد التصويت على أي مشروع قانون لن يصبح ساري المفعول إلا بعد أن يتم إرساله إلى الأمانة العامة للحكومة ويصدر بعدها في الجريدة الرسمية، فتحديد تاريخ تطبيق المدونة تجاوز كل الاختصاصات الدستورية. وبعد أن تم له ما كان من تمرير مدونة السير والإخلاف بالتزاماته تجاه الفرقاء الاجتماعيين وبعد أن تلقى المساندة التامة من حزبه وبعد أن تفادى ضربات الاتحاد العام للشغالين بعد تدخل عباس الفاسي الأمين العام للحزب أصبح كريم غلاب يعتقد أنه وزير فوق الدستور وأنه من حقه أن يمرر ماشاء من قوانين. ومن آخر ما فاه به كريم غلاب هو قوله "إن إسقاط ميزانية وزارة التجهيز والنقل خرق للقانون"، ولم يحدد طبيعة القانون الذي تم خرقه وهل ستتم معاقبة خارقي القانون ما دام قد تعود على سماع صوت العقوبات التي تختزن منها مدونته الشيء الكثير. وقد تعلل غلاب بأن لجنة المالية لم يكن من حقها التصويت وزاد الطين بلة عندما قال إن مستشاري الأغلبية لم يكونوا حاضرين. فمن تمثل أنت أيها الوزير إذا لم تكن قادرا على ضمان حضور الأغلبية للدفاع عنك؟ وإذا كانت الأغلبية ذهبت لترتاح فما عليك سوى تحمل تبعات أنك وزير تلبس جلباب الأغلبية فقط. أول ما ينبغي ذكره في هذا المقام هو أن خبراء القانون أكدوا أن اللجنة سيدة نفسها وأن الخطأ ارتكبه محمد الأنصاري رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس المستشارين الذي لم يشهر المادة 60 من القانون الداخلي التي تبيح التأجيل، ولم يتساءل الوزير عن السر وراء عدم إشهار المادة المذكورة وهل كانت مؤامرة للضغط السياسي من طرف حزب الاستقلال. إذا كانت اللجنة سيدة نفسها وقررت التصويت فإن الحديث عن خرق القانون هو من باب الهروب إلى الأمام. فالقانون يسمح بالتصويت بنعم وبلا وبالامتناع. فالذين أسقطوا ميزانية غلاب كانوا ملتزمين بالقانون في حين أن إعادة التصويت تعتبر سابقة في تاريخ التشريع المغربي. إن غلاب وزير كباقي الوزراء وليس وزيرا فوق الدستور وإذا ما استمر في شطحاته السياسية فإنه سيصبح وزيرا فوق الدستور ومن أصبح كذلك وضع نفسه خارج المؤسسات.