في يوم 22 غشت 1975، بجزيرة "كورسيكا" الفرنسية، دخل عمال حقول العنب في اعتصام مطالبين بحقوقهم؛ فاندس في صفوفهم دعاة الانفصال الباسك، وقررت الجهات المسؤولة هناك الدخول معهم في مفاوضات بهدف إيجاد تسوية لمطالبهم، وطالبتهم بفك الاحتجاج كشرط مسبق؛ لكن دعاة الانفصال منعوهم من ذلك، وأخذوهم رهائن تحت تهديد السلاح، وفجأة وجدت السلطات نفسها أمام أمر آخر، لا علاقة له بالمطالب المشروعة للمواطنين المحتجين؛ فصار من واجب السلطة فك الحصار الذي ضربه الانفصاليون على المواطنين العزل، فتدخلت السلطات، فسقط عدد من الدركيين الفرنسيين، قتلى بسلاح الانفصاليين، وضعفُ العدد جرحى، ولم يُصبْ أحد من المدنيين، لا من جانب المهاجمين، ولا من جانب المواطنين الرهائن في هذا الحادث.. فالسلطة لم تكن تتوقع أن تدور الأحداث بهذا الشكل الدرامي، حيث كان وجودها سلميا كما تقول "الفيغارو" التي نقلت هذه الأحداث؛ لكن ألقيَ القبض على "إيدمون سيميوني"، وهو الذي تزعم هذه الأحداث الدموية، وقُدّم للعدالة بتهمة المسّ بأمن الدولة، واستغلال قضية اجتماعية، لأغراض انفصالية في جزيرة "كورسيكا"، بل إن الانفصاليين كانوا يحوّلون ملعب "فورياني" إلى ميدان شغب عند كل مباراة لفريقي "باستيا" أو "أجاكسيو". الصورة تتكرر دائما عبر التاريخ؛ فأعداء الوطن، ينتهزون مثل هذه الفرص، لبث الفتنة، ولو خلال مقابلة لكرة القدم أو عند انتهاء حفل غنائي مثلا.. ففي أحداث "العيون" الدامية اندسّ الخونة وسط المواطنين، واختلطوا بهم، حتى كان ما كان.. لكن الملاحظ هو أن تسرُّب بعض الصحافيين الإسبان خلسة كاللصوص، بدأ قُبيل تلك الأحداث، ومنهم من ضبطته السلطات المغربية، مما يدلّل على أن هؤلاء كانوا على علم مُسبق بما سيحدث، نظرا لعلاقتهم الوطيدة بالانفصاليين، كما أن أعداء الوطن في الداخل هم من سهّل عليهم التسرب إلى بلادنا.. كان هؤلاء الصحافيون العملاء، يفكرون في تزوير الحقائق، ونشر الكذب والبهتان؛ ولكن ولما خاب مسعاهم، عمدوا إلى صور من فلسطين، إلى درجة أن الحقد أعماهم، فوقعوا في الكمين، وبُهْدِلوا أمام العالمين، وانقلب السحر على السحرة الكذابين.. لو كانت هذه الصحافة تعيش في عالم يسود فيه الحق والعدل، لما صدرت في اليوم التالي، بعد هذه الفضيحة؛ ولكن، لكونها تعيش في عالم داعر، وفي وسط عاهر، فإنه لم يمسسها سوء، ما دامت تعيش في محيطها الطبيعي العاهر، وسيكون بليدا كل من يعاتب [مومس] على قلة حيائها... هل رأيتَ يوما رجلا عاقلا شاهد مثلا معتقَلا نازيا في "داشو" أو في "أوشويتز" واعتبره مخيم عمال أحرار، كما كان يسميه الجلاد "هملر" يومها في ألمانيا النازية؟ لقد كان هناك ما كان يسمى آنذاك ب"لاستالاغ"، وهي عبارة عن براريك خشبية، اعتُقل فيها النساء والأطفال والشيوخ، فكان الصليب الأحمر نفسه لا يعرف حقيقتها، رغم زياراته المتكررة، وقد انطلت اللعبة حتى على رئيسه السويدي "بيرنادوت".. ومخيمات "تيندوف" هي مجرد "إستالاغ" تشبه تلك التي أقامها النازيون؛ وعندما هبت رياح الحرية، فرت الناس منها، وأدرك العالم حقيقتها.. ولكن اليوم، في عالم يدّعي الحرية، فلا أحد اهتدى إلى حقيقة "إستالاغ" البوليساريو في تندوف؛ حيث يعيش إخوان لنا ما كان يعيشه "الغجر" في معتقلات النازية؛ وعندما كان يأتي ممثلون عن الصليب الأحمر الدولي، كان يقدَّم لهم أفراد مزورون، يتحدثون عن العيش الرغيد، وعن الحرية، ثم يصيحون "هايل هتلر"، فيما البؤساء يطلّون في صمت، ويشاهدون التمثيلية الدنيئة، من ثقوب البراريك التي تنعدم فيها شروط الحياة الكريمة.. فهل رأيتَ صحافة الكذب تفضح حقيقة "إستالاغ" البوليساريو؟ ! هل سمعتَ منظمة تدين ما يحدث في مخيمات العار في تندوف؟ هل فُكَّ الحصار، وفتِح باب حرية الاختيار؟