ظهرت أخيرا كائنات عجيبة صنع منها الإعلام وهما كبر عند أصحابه أولا. قنوات ووسائل إعلام مسموعة ومكتوبة تستقبل أشخاصا تسميهم خبراء. هذا خبير في الاقتصاد، وذاك خبير في الحركات الاسلامية،وثالث خبير في قضية الصحراء،ورابع خبير في الشؤون الاقتصادية، وخامس خبير في كل شيء. استضافت ميدي 1 من أسمته خبيرا في الشؤون الاقتصادية،وأساسا ما يتعلق بالاتصالات حول موضوع بيع 40 في المائة من رأسمال شركة ميدي تيليكوم لفرانس تيليكوم، ما قاله الخبير لم يتعد أن هذه الصفقة تعتبر طفرة نوعية وحدثا تاريخيا وستؤدي إلى ازدهار سوق الاتصالات بالمغرب، لم يتحدث الخبير عن دخول الشركة للبورصة وهو سؤال مهم لأنه ستكون له تداعيات على سوق الاتصالات بالمغرب،ولم يشرح الخبير للمشاهدين لماذا اشترت الشركة الفرنسية 40 في المائة وحقوق التصويت في المجلس الإداري. اكتفى بجمل إنشائية لكن الوسيلة الإعلامية قدمت لنا وجها أو صوتا سمته خبيرا وفي الواقع لم نسمع من خبرته شيئا. أول أمس استضافت قناة الجزيرة القطرية خبيرا تحدث عن موضوع معقد يهم الحركة الاسلامية المغربية، الخبير المذكور رأيته مرة يتحدث عن الهجرة السرية وأثرها على الوقاع الثقافي والعلمي للمغرب وأطنب في الكلام عن فلذات أكبادنا التي تلتهمها الحيتان في عرض البحر،وكان يريد أن يتحدث عن طوله فأوقفته صاحبة البرنامج، كما أني شاهدته يتحدث عن قضية الصحراء المغربية بكامل تشعباتها وتعقيداتها وتركيبتها السوسيولوجيا وكانت فضيحة أن صاحبنا لا يعرف عن الموضوع شيئا فارتكب جريمة في حق نفسه "الشوهة" وجريمة في حق بلد اسمه المغرب لأن من مثله لم يكن خبيرا. شخص آخر أعرفه جيدا يجمع المقالات التي تكتب عن الحركات الاسلامية المغربية، وبعض وثائقها وخطب زعمائها وحواراتهم يسمي نفسه في خبيرا في هذا الشأن وهو لا خبرة له سوى إعادة صياغة جمل اإشائية، وهو يركب أي مركب غوغائي دون تقديم قراءة دقيقة لهذه الحركات وله دراية كبيرة بالنميمة. مرة عقد مؤتمر في بيروت حول تجديد الفكر الديني،وتم استدعاء شخصية مغربية كانت أسست لتوها حزبا صغيرا،وقدمته اللجنة المنظمة على أنه مفكر عربي والرجل لا فكرة ولا فكر له وليس حتى كاتبا. خبراء آخرون يتم تقديمهم للمشاهد وللقارئ بصفات مختلفة؛مرة إعلامي متخصص في شؤون القاعدة والواقفة،وثانية خبير في الشؤون السياسية، وتارة محلل سياسي،وفي الواقع هو يتقن كل شيء إلا هذه الأشياء. لم أعد أذكر أحد ضيوف إحدى القنوات العربية المعروفة بأنها ماكرة حيث اعتذر عن المشاركة في البرنامج الذي دعي له. لما انتهى مقدم البرنامج من كلمته التقديمية وتكلم الضيف الأول وعندما جاء الدور للضيف الثاني قال على الهواء : لقد تم استدعائي لمناقشة الموضوع الفلاني،ولقد تم تغيير موضوع البرنامج أو تمت خديعتي،ولأني لا أفهم كثيرا في الموضوع الثاني فإني أنسحب. الخبرة لا تعني معرفة بالموضوع يمكن أن يحصل عليها أي واحد بمجهود ما، ولكن الخبرة تعني القدرة على الإمساك بمفاصل الموضوع وتحديد اتجاهاته. استحييت أن أكتب الوصف الذي أصف به أشخاصا كلما ذكر أحد أنه خبيرا والمشترك بينهما هو الحرف الأول.