عبر المغرب، في بلاغ لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون، عن اندهاشه من موافقة برنامج الأممالمتحدة للتنمية، التابع لهيئة الأممالمتحدة، على الدراسات المقارنة لمؤشر التنمية البشرية، وهي دراسات تفتقر حسب البلاغ للجدية والمهنية، وتعد إجحافا في حق المملكة وجهودها في مجال التنمية السوسيو اقتصادية . والجدل القائم بين المغرب وبرنامج الأممالمتحدة ليس حديث العهد، بل سبق للمغرب كما أبان البلاغ أن نبه المراقبين بخصوص الحدود الموضوعية ، والنواقص المنهجية ، والتناقضات المقارنة لمؤشر التنمية البشرية ، الذي يعده سنويا برنامج الاممالمتحدة للتنمية . ويبدو أن ما أزعج المغرب خاصة في المعطيات الجديدة برنامج الأممالمتحدة للتنمية هي المؤشرات المرتبطة بالفقر، والتي يعتبرها المغرب متجاوزة لأنها تعود إلى سنة 2004. خاصة وأن المغرب تحرك على كل الجوانب منذ سنة 2005 لتحسين الوضع ومحاربة الفقر من خلال المشروع الوطني الكبير المتعلق بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية. واعتبارا للأهمية الكبيرة لهذا الموضوع الذي يأتي في ظرفية صعبة جدا من الناحية الاقتصادية ، سنحاول في هذا الركن التعاطي له من أغلب الزوايا التي يمكن من خلالها فهم ومعرفة أبعاد الإشكالية المطروحة . وسنحاول أولا فهم المؤشرات، موضع الخلاف، وكيفية توظيفها لنعود بعد ذلك إلى طرح جهود المغرب وإنجازاته في مجال التنمية البشرية، والإكراهات التي حالت دون توظيفها بالشكل المطلوب. ومن تم نتساءل عن العوائق التي لا تسمح لقطار التنمية البشرية المغربي، كي ينطلق بالشكل المطلوب، مستندين في ذلك على معطيات علمية وتاريخية وإحصائية رسمية وطنية وأخرى مستقلة . طبعا، من حق الحكومة المغربية أن تنزعج وهي ترى أن الدولة التي تسير شؤونها تحتل مراتب متأخرة جدا في التصنيف العالمي للتنمية البشرية، ولا حاجة للقول أن تصنيف المغرب في مرتبته الثلاثين بعد المائة، هو مقلق إلى حد كبير، خاصة وأن الوضع الاقتصادي العالمي يزداد صعوبة بعد كل ما عرفه العالم في السنة الحالية والتي سبقتها من أزمات وكوارث وحرائق وفيضانات. ولا أظن أن برنامج الأممالمتحدة وباقي المراكز العالمية المستقلة لا تتتبع باهتمام الجهود الكبيرة التي يحاول المغرب من خلالها تحسين وضع الإنسان، والحد من آفات الفقر والبطالة والأمية والأمراض. وسيكون من اللإإنصاف تماما التغاضي عن الديناميكية الكبيرة التي عرفها المغرب منذ خمس سنوات تقريبا بقيادة ملكه، الذي يعتبر القائد الوحيد في العالم، الذي يتحرك بهذا الشكل خارج عاصمة ملكه. وبالتالي فعلى مدى السنوات العشر لفترة حكمه، تحرك الملك محمد السادس في كل جهات المغرب الكبير، ووضع برامج هامة من المؤكد أنها صنعت مغربا جديدا على المستوى الاقتصادي والاستثماري و قوة البنية التحتية. والمعلوم، أن أصعب البرامج التنموية في العالم، ليست هي تلك التي تستهدف بناء السدود، او الطرق أو المراكز والمستشفيات، ولكنها تلك التي تتوخى الإنسان في عقله وجيبه وصحته. وبالتالي فيمكنك بناء قنطرة كبرى في ظرف ستة أشهر، وسدا كبيرا في سنة، وطريقا سيارا على امتداد كيلومترات كثيرة في ظرف ثلاث سنوات او أربع، ويمكنك وضع سكة حديدية ومراكز طبية ومنشئات استثمارية في مدد وجيزة، لكنك حينما تصل إلى ورش تكوين الإنسان، وتغيير وضعه، وتحسين سلوكه ومماررساته، وتعليمه تعليما جيدا، وتطوير كفاءاته العلمية، وتحسين علاقاته الاجتماعية، ودفعه إلى الإنتاج وجني الأرباح والمكاسب، ومحاربة العطالة والبطالة بما هو جاد ونافع، وتأهيل العاملين في المراكز الطبية لتقديم الخدمات المطلوبة و...و... فهذا أمر لا يتطلب سنة أو سنتين، بل يتطلب جهودا جماعية كبيرة وسنوات عمل كثيرة. والسؤال المطروح علينا الآن، هل نسير على هذه الطريق بشكل سليم ؟ هل فعلا بدأنا ببناء الإنسان أخلاقا وسلوكا وتكوينا؟ هل قيمنا بالشكل المطلوب نتائج برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية؟ وقومناها بشكل يضمن لها مسارا صحيحا؟ هل لدينا مؤشرات حقيقية لبرامج محاربة الفقر وتحسين الصحة ومحو الأمية ؟ هل تعمل مراكزنا بالشكل المطلوب على مستوى القرى والمناطق النائية ؟ وهل يتلقى المواطنون في المصحات الخاصة والمستشفيات العمومية الخدمات الضرورية لحمايتهم ومعالجتهم؟ وهل أصلحنا الإدارة بشكل لا يزيد في فقر المواطن ؟ وهل أعطينا للمواطن سكنا لائقا حقا بعد محاربة البناء العشوائي ودور القصدير ؟ وهل البناء الآن ستجيب للجودة المطلوبة ولو في أدنى أشكالها؟ وهل.. وهل..؟؟؟. هذه الأسئلة وغيرها تتوخى طبعا جرأة في الإجابة، ومصارحة مواطنة لا تنقص لأي كان جهده، ولا تبخس للمنتج إنتاجه. وهو ما سنعمل على ترصده بالحجة والدليل في الركن القادم إن شاء الله.