لم تتمكن أجهزة الرقابة ضد الفساد حتى الآن سواء تلك المرتبطة بالبرلمان أو بالجهاز التنفيذي من الحد من ظاهرة الإساءة للمال العام،وتبذيره وإهداره لأن الإطار المؤسساتي لمكافحة الفساد محدود جدا من الناحية العملية في مواجهة ظاهرة إجرامية " تتشابك فيها مصالح الشركات والصفقات المالية". وقد عدد عبد السلام ابو درار،رئيس الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة التابعة للوزارة الأولى،أكثر من ثمانية أسباب وراء فشل أجهزة الرقابة في المغرب منها أن البرلمان رغم توفره مبدئيا على آليات دستورية وقانونية للمراقبة السياسية إلا انه يظل عاجزا عن ممارسة مهمته بالفعالية المطلوبة لأنه يصطدم بعدة إشكالات عملية،حسب قوله. ففيما يتعلق بالمصادقة على الميزانية العامة فقد سجل أبو درار أن الأمر يعرف تأخرا كبيرا على مستوى إيداع هذا القانون داخل الأجل المحدد في سنتين على أبعد تقدير،وهو ما لا يتلاءم مع المواصفات الدولية التي تحدد أجل إعطاء الحساب في ستة أشهر. وأضاف رئيس الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة في معرض تدخله مساء أول أمس في يوم دراسي بالبرلمان دعت إليه جمعية برلمانيون مغاربة ضد الفساد بأن لجان تقصي الحقائق التي يعمل البرلمان على تفعيلها بين الفينة والأخرى لا تفي بالغرض المطلوب لأنها لا تفعل إلا في حالات معدودة فضلا عن عدم اتسامها بالجرأة في نشر الملفات. وتعزى عدم فعالية جهاز التفتيش التابع للخزينة العامة إلى غياب نص قانوني شامل يحدد اختصاصاتها بالإضافة إلى تقادم الإطار التشريعي للمفتشية العامة للمالية مع العلم أن تقارير أشغال هذه الهيئات لا تعرف طريقها للنشر،يقول أبودرار. ولم تمر الفرصة دون أن يحدد نفس المصدر أسباب عدم نجاح تجربة المحاكم المالية حتى الآن بالمغرب،ومن بينها ضعف الموارد البشرية وضآلة القرارات المبلغة،ومحدودية المتابعات الجنائية التي تمت على أساس الفصل 111 من مدونة المحاكم المالية،والتي لا ترقى لمستوى المخالفات المرصودة. ويقترح نفس المصدر عدة توصيات يراها مناسبة للخروج من الوضعية الحالية من بينها أن البرلمان مطالب بتعزيز دوره التشريعي والرقابي لضمان انخراط ممثلي الأمة في مكافحة الفساد،واستصدار مقتضيات تشريعية تحمي المبلغين عن الفساد،ومتابعة تطبيق القوانين من لدن السلطة التنفيذية،وتجاوز دور المساءلة إلى ممارسة استقصاء واستطلاع الحقائق. كما يقترح أبو درار فيما يخص السلطة التنفيذية تعزيز شفافية الإدارة العمومية،وتبسيط مساطرها،وتحديث إدارة العدالة،ونشر تقاريرها،والتعريف بمساطرها. من جهته اختار رشيد الفيلالي المكناسي, الكاتب العام لمنظمة "ترانسبرنسي المغرب" التأكيد على دور لجان تقصي الحقائق في تثبيت العلاقة بين البرلمان،والمجلس الأعلى للحسابات خاصة في مجال طلب خبرته في مجال المراقبة المالية, أو في مجال دراسة مشاريع القوانين ذات الصبغة المالية, مشيرا إلى أن قانون التصفية يعد أبرز مثال لتجسيد هذا التعاون بين المؤسستين الدستوريتين.