عجبتُ ممن ما زال يستدعي زعيم حزبٍ بلا منخرطين وكأنه معبد مهجور بلا متعبّدين.. عجبتُ ممن يستقدم في حلقة تلفزيونية زعماء، دهماء، يفكرون بالأمعاء، فيعتقد صاحب البرنامج أنه سوف يحقق لبرنامجه نسبة عالية من المشاهدين.. فإن كان يعتقد ذلك، فوالله إنه لأغبى من الغباء نفسه.. ثم إني أسأل ما الفائدة من استدعاء هؤلاء؟ فهل لهم صدقٌ يرفعهم، أم تاريخ يشرّفهم، أم إنجازات تعبّر بدلا عنهم؟ فهؤلاء عبدة المناصب، والراقصون على طاولة الأصفر الرّنان، وسفسطائيو عصر اليونان، وملاكمون في حلبات انتخابات زعامة كتدرائيات معنكَبة ومهجورة منذ عصر الرومان؛ الكذب على الشعب صَلاتهم، والمال ربُّهم، والمناصب كعبَتُهم، ورشاوى الانتخابات زكاتُهم؛ فالواحد منهم لا ينقطع سعيه، ولا ينضب معين كذبه، وريائه ونفاقه، إلا عندما يأتيه اليقين؛ أما قبل ذلك، فهو معك وعليك، حتى وإن رشي عودُه، وقوّس ظهره، وصار له شكل وهيئة النِّسْناس، فإنك تراه متشبثا بالأغصان، ويكشّر عن الأسنان، كلما دنت منه زرافةٌ منافسة بعنقها الطويل، بعدما كانت هي الأخرى من قبل بحجم المعزة، على حد تعبير [لامارك].. إنه الصراع من أجل البقاء في المناصب، وفي بحبوحة العيش التي توفرها واحات الفساد.. فماذا عساهم يقولون للشعب؟ فلو كان فيهم خير، لظهر في ما بينهم، لو كانت لهم مبادئ، لما فرحوا بمناصب وحقائب حتى وإن كانت فارغة من وثائق المسؤولية.. لو كانت لهم موهبة إدارية وتنظيمية لما تشرذمت أحزابهم، وتشظّت نقاباتهم ثم من لا خير فيه »لحوزتِه« ، لا خير فيه لشيعتِه وأمته، فماذا حقق هؤلاء لأحزابهم قبل شعبهم؟ الجواب : لا شيء.. ففي الوقت الذي يكون فيه جلالة الملك بصدد التدشينات وفتح أوراش التنمية وتفقد أحوال الرعية، يكون فيه هؤلاء بصدد الصراع على زعامة »الحوزة« وبصدد اجتماعات يختلقون لها شعارات زائفة أو يتحاورون بخصوص تحالفات مستقبلية، وكتبتُهم يتحدثون بشكل سريالي عن اليمين، واليسار، ووسط اليمين، وأقصى اليمين، وأقصى اليسار، ثم بشكل مهلوَس يتحدّثون عن أشياء لا وجودَ لها في دنيا الواقع، فيما الواقع يؤكد أن في بلادنا »حوزةً« واحدة لا غير، وهي حزب الوصوليين التّجار، وعبدة المال، ودهماء الكراسي، وهو ما يسمّى اختزالا : [ديموكْراسي].. فمثلا، إذا ما حصلت »الوزيعة« ، ونال حزبٌ حقيبةً وزارية واحدة، فإن شيخ »الحوزة« يأخذها لنفسه، فتنفضّ الشيعة من حوله، لأنها ترى أن هناك من هو أولى وأجدر بها منه.. لهذه الأسباب تجد زعيما لحزب بلا منخرطين، وبلا مقرات، اللهم ما كان من بعض الحواريين.. أما بعض الأحزاب التي لها مقرات، فإنك تجدها مبيَّضة من الخارج كالقبور، كما قال السيد المسيح، وأما داخلها فمليء ب [..؟..].. لكن ماذا حقق هؤلاء للشعب؟ حققوا الكثير.. أولا؛ جعلوا المواطن يهجر صناديق الاقتراع.. ثانيا؛ جعلوه يهجر ملاعب كرة القدم.. ثالثا؛ جعلوه ينفر حتى من ليالي الطرب بعد مأساة مهرجان »موازين« .. والآن بدأ يهجر المساجد خوفا على حياته.. وبعد أشهر، ستجده يفر من السيارة، ويفضّل ركوب الحِمارة، عند تطبيق تعاليم مدوّنة السير.. بل أكثر من ذلك، هناك من صار يستعمل الشموع، بدل الكهرباء، كي لا يذرف الدموع عند وصول الفاتورة.. بل هناك من تخلّى عن الهاتف النقال، نظرا لارتفاع تكلفة الاتصال.. بل هناك من صار يفضل التداوي بالأعشاب، نظرا لارتفاع ثمن علب الدواء... بل هناك من صار يوجّه طلباته لقضاء حاجياته للأولياء والصالحين، بدلا من الإدارات والمؤسسات.. بل هناك من صار يرتكب جرائم ليذهب إلى السجن، بدلا من النوم في العراء؛ بل هناك وهناك.. هذا ما حققه هؤلاء..