أكد متدخلون خلال ندوة دولية نظمت٬ اليوم الخميس بالرباط٬ حول موضوع "المغاربة في إسبانيا وإيطاليا : تداعيات الأزمة"٬ أن وضعية المهاجرين المغاربة المقيمين في هذين البلدين شهدت تراجعا ملحوظا مع ظهور أولى بوادر الأزمة الاقتصادية سنة 2008٬ مما جعل الكثير منهم٬ ولاسيما النساء٬ يفضلون خيار العودة إلى بلدهم الأم عوض الاستمرار في وضعية البطالة. وأوضح هؤلاء المتدخلون٬ خلال هذه الندوة المنظمة من طرف مجلس الجالية المغربية بالخارج٬ أن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي لا زال الاتحاد الأوروبي يعاني من تداعياتها الوخيمة٬ والتي طالت إسبانيا وإيطاليا بشكل ملموس ٬ فرضت على المهاجرين المغاربة٬ لاسيما أولئك الذين لا يتوفرون على وضعية قانونية٬ التحول إلى عاطلين عن العمل٬ ومن تم التفكير في العودة إلى بلدهم الأم عوض الاستمرار في مقارعة التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي ما فتئت تزداد خلال الآونة الأخيرة. وفي سياق متصل٬ قال والتر أكتيس٬ ممثل تنسيقية "لوي" الإسبانية التي تعنى بشؤون المهاجرين٬ في مداخلة له٬ إن الجالية المغربية المقيمة بإسبانيا٬ والتي تأتي من حيث تعدادها في المرتبة الثانية بعد الجالية الرومانية٬ "تعد جالية ذكورية في المقام الأول"٬ علما أن عدد الوافدات من النساء المغربيات إلى إسبانيا شهد قبل ظهور أولى بوادر الأزمة ارتفاعا ملحوظا يجد تفسيره في الخصاص الذي سجلته آنذاك بعض القطاعات الإنتاجية٬ لاسيما القطاع الفلاحي. وأوضح أكتيس٬ في مداخلة تحت عنوان "تأثير الأزمة على مغاربة إسبانيا : نظرة عامة"٬ أن عقود العمل المؤقتة التي يستفيد منها المغاربة المقيمون بإسبانيا أكثر من غيرهم٬ شهدت تراجعا غير مسبوق خلال فترة الأزمة٬ خصوصا في قطاعات البناء والأشغال العمومية والفلاحة والخدمات المنزلية٬ باعتبارها أبرز مجالات اشتغال المهاجرين المغاربة٬ مشيرا إلى أن جميع المعطيات والأرقام تؤكد ارتفاع نسب البطالة في صفوف المغاربة المقيمين بإسبانيا٬ علما أنهم عادة ما يؤدون أعمالا مضنية وصعبة يتفاداها الكثير من الإسبان. وفي ظل هذه الوضعية المزرية - يضيف أكتيس - ارتفعت نبرة العدائية التي تستهدف الأجانب كما ازدادت حدة المطالب التي تدعو إلى ترحيلهم من إسبانيا بحجة تأثيرهم السلبي على الاقتصاد الإسباني٬ في حين بدأت بعض الأوساط الموالية للحزب الشعبي الحاكم٬ على وجه التحديد٬ بالدعوة إلى منح الأولوية للإسبان في الحصول على مناصب الشغل. من جهتها٬ أكدت أنخيليس راميريث ٬ عن الجامعة المستقلة بمدريد٬ أن هجرة النساء اللواتي يشكلن قرابة ثلث المغاربة بإسبانيا شهدت طفرة ملحوظة خلال فترة التسعينيات٬ لاسيما النساء المنحدرات من الوسط الحضري٬ غير أن أغلبهن لا يتقن اللغة الإسبانية كما لا يتوفرن على تجربة سابقة تتيح لهن ولوج سوق الشغل بكيفية مباشرة وميسرة. وفي سياق متصل٬ أوردت راميريث معطيات تفيد بأن غالبية النساء المغربيات يمتهن أعمالا مضنية كعاملات موسميات بالضيعات الفلاحية أو كمربيات وخادمات منازل٬ حيث يتقاضين أجورا متواضعة مع عدم توفرهن على التغطية الصحية في أحيان كثيرة٬ مشيرة في سياق متصل٬ إلى ازدياد حالات تعرض المهاجرات المغربيات للتمييز العنصري وسوء المعاملة٬ خاصة في ظل تعاظم الأزمة الاقتصادية. من جانبه٬ قال خوسي أنطونيو مورينو٬ الخبير القانوني المتخصص في قضايا الهجرة٬ في مداخلة عنوانها " تأثير الأزمة على المهاجرين والنموذج الإسباني في الهجرة"٬ إن المهاجرين المغاربة ساهموا خلال فترة النمو الاقتصادي الذي شهدته إسبانيا مع مطلع سنوات الثمانينيات٬ في إعطاء دفعة قوية للنسيج الاقتصادي الإسباني٬ وذلك من خلال توفير يد عاملة ذات كفاءة إلى جانب المساهمة في دفع الضرائب التي وظفتها البلاد في فتح أوراش كبرى غيرت صورة إسبانيا وجعلت منها قوة اقتصادية على المستوى الإقليمي. وأضاف مورينو أن المهاجرين المغاربة تعرضوا لمجموعة من مظاهر التهميش بفعل تضرر الاقتصاد الإسباني من تداعيات الأزمة الاقتصادية٬ حيث أن بعض الأوساط السياسية استغلت الأزمة وشعور الإحباط السائد لدى المواطنين الإسبان٬ لخدمة أغراض سياسية بحتة٬ قائلا في هذا الصدد إن "البطالة في صفوف المهاجرين بإسبانيا أضحت مشكلة سياسية تم استغلالها بقدر كبير من الديماغوجية". وفي نفس الإطار٬ قال عبد الله رضوان٬ الأمين العام للمركز الإسلامي الثقافي بإيطاليا٬ أن المغاربة الذين شرعوا في التوافد على إيطاليا ابتداء من سنوات السبعينيات٬ لاسيما من خلال عقود العمل والتجمع العائلي واقتناء المنازل٬ انتقلوا من وضعية الإقامة المؤقتة إلى الاستقرار الدائم بالديار الإيطالية٬ حيث أن الكثير منهم أضحى يمتلك مقاولاته الخاصة في الوقت الذي لا زال فيه أغلب مغاربة إيطاليا يشتغلون كعمال في قطاعات البناء والأشغال العمومية والحدادة والنجارة وصناعة الأحذية والسيارات والأعمال المنزلية. ومع ذلك - يضيف رضوان - ارتفعت نسبة البطالة في صفوف المهاجرين المغاربة بإيطاليا٬ بالنظر إلى أن البلاد عانت إلى جانب كل من اليونان وإسبانيا والبرتغال من تداعيات الأزمة الاقتصادية التي قلصت من حجم النشاط الاقتصادي وساهمت في إلغاء عدد كبير من مناصب الشغل. يشار إلى أن أوروبا كانت من بين المناطق الأكثر تأثرا من تبعات الأزمة الاقتصادية٬ كما شهدت تزايد عدد العاطلين عن العمل٬ فبينما كان عدد العاطلين يقترب من 34 مليون شخص في خريف سنة 2008٬ تجاوز هذا الرقم خلال منتصف السنة الماضية 44 مليون شخص في مجموع دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية٬ حيث أن إسبانيا وإيطاليا٬ الدولتان الحديثتان بالهجرة٬ كانتا في هذا السياق معنيتين بصفة خاصة بتداعيات هذه الأزمة. يذكر أن هذه الندوة التي عرفت حضور عدد من الخبراء المغاربة والأجانب في قضايا الهجرة٬ تقترح تمكين مختلف الفاعلين في مجال الهجرة المغربية٬ سواء في المغرب أو في إسبانيا وإيطاليا٬ تقييم حصيلة الآثار الاجتماعية والاقتصادية على المهاجرين٬ مع محاولة بلورة رؤية تركز على الآليات الممكنة والاستراتيجيات الواجب اتباعها في هذا الإطار.