من الأغاني الرائعة التي استمتع بها المغاربة منذ نصف قرن تقريبا رائعة عبد الوهاب الدكالي، أمد الله في عمره، "يا الغاذي في الطوموبيل"، ويومها كان التغني بالسيارة مفخرة إذ عدد السيارات في تلك المرحلة كان قليلا جدا، وكانت السيارة وسيلة التباهي والتفاخر، على خلاف اليوم الذي أصبحت فيه السيارة جزءا من المعيش اليومي وأداة لقضاء الأغراض واخترقت كل الفئات بما فيها الفئات الفقيرة التي تحسب الأمور جيدا على عكس ما قاله نجيب بوليف، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة، الذي اعتبر مالكي السيارات من الفئات المتوسطة. ولن نتحدث عن الفقر بالمعايير المعروفة دوليا والتي يعتمدها أحمد حليمي في إحصاء الفقراء ولكن الفقر كما هو متعارف عليه شعبيا، والفقراء هم أكَلَة العدس واللوبية واللحم بالمناسبات أو أحيانا، وحتى مجموعة من الموظفين لا تنهي الشهر إلا بشد الحزام ولا مكان في بيوتها للكماليات إلا عند حضور الضيوف، وتتداوى بما تجده أمامها ولا ترى الطبيب إلا في الحالات القصوى. وربما بوليف لا يميز بين الفقر والإعدام. فهل يعتبر بوليف من يملك سيارة "رونو أربعة" ثمنها لا يتجاوز ستة آلاف درهم من الطبقة الوسطى؟ وهل يعتبر من يؤدي أقساطا لمدة ست أو سبع سنوات كي يركب سيارة من الطبقة الوسطى؟ وهل العائلات التي تفضل السيارة على الشبع تفاديا لسيارات الأجرة من الطبقة الوسطى؟ وماهو تعريف بوليف للطبقة الوسطى؟ وهل هناك طبقة وسطى في المغرب؟ فبوليف لن يأخذنا إلى "جنان السبيل" ولكن سيتركنا عابري سبيل، مع بوليف ستصبح الوسيلة المفضلة للتنقل عند المغاربة هي الأوطوسطوب. بالأمس كانت الحكومة تستحيي واليوم أصبحت تتميز ب"صنطيحة" كبيرة، فالزيادات في الأسعار كانت تبرر منطقيا حتى لو لم تكن معقولة واليوم أصبحت الزيادات في الأسعار خدمة للفئات الفقيرة. لأْ يا أيها الوزير لسنا في حاجة إلى خدمتك إذا كانت تعني رفع الأسعار. ثم إن هذه الزيادات وما صاحبها من كلام فارغ وتبريرات لا تنطلي حتى على السذج بينت مستوى هذه الحكومة. وصدق بنكيران عندما قال، إنه "عاد كيتعلم هاذ الحرفة". فبوليف لا يفرق بين القرارات الاقتصادية الخطيرة والمستنسخات التي كان يستظهرها في الجامعة التي دخلها ذات زمان كانت فيه للخطيب كلمة مسموعة. فبوليف يضحك على الذقون، فحتى لو صدقنا أن مالكي السيارات هم من الفئات المتوسطة فالمشكل ليس فقط في مالكي السيارات الخاصة ولكن في وسائل النقل المشتركة كالشاحنات والحافلات والطاكسيات. لأن الزيادة في أسعار المحروقات تؤدي حتما إلى الزيادة في أسعار النقل أو قتل أصحابها. والزيادة في ثمن النقل تعني الزيادة في ثمن المواد الاستهلاكية. لن ينفعك "البُوليكوب" يا أيها الوزير. يبدو أن الوزارة هي "الدوخة" الكبرى، الوزارة أنست بوليف محن من يستعمل النقل العمومي وأزمة القطاع نفسه الذي يسيره زميله رباح. إذا كان الإصلاح يعني الزيادة في الأسعار فإن الإفساد سيصبح مطلبا شعبيا يا حكومة النقائض، التي تمدح نفسها وتهجو غيرها.ادريس عدار