لاشك أن المحترم بنكيران، ومنذ أن اقتعد كرسي رئاسة الحكومة الثلاثين لمغرب ما بعد الاستقلال استمرأ استخلاص الدروس والعبر التي تفيده وحكومته في تدبير شؤون البلاد والعباد، التي ظن، استصغارا منه، أنها شؤون ستلين بين أنامله كما يلين سم الخياط في أجواخ الحرير. فرجل السبورة والطبشور في الفيزياء الذي تحول من "قائد" إلى تلميذ يتلقى، تباعا، دروسا أساسية وأخرى إضافية للتقوية في علم التدبيروالتسييربعد أن ضرب عرض الحائط بمنطق عملية واحد زائد واحد تساوي اثنين كحصيلة رقمية وحيدة لا مُثنى لها، وقف عند سلاح "الشعبوية" الفضفاضة ينوي بها قيادة أكثر من ثلاثين مليون مواطن ومواطنة، يتوزعون ما بين معسر وموسر، وسقيم وسوي، وصالح وطالح وعاطل وشغًيل، ونشيط وخمول، وجدي ومتهاون، ومعتدل ومتشدد، واللائحة طويلة من الفوارق والمتناقضات التي تميزهم إلى درجة أنه (بنكيران) ومجموعته لن يكون بوسعهم تحقيق عيش كريم كحد أدنى من المتطلبات لهؤلاء المواطنين الذين لن تكفي لسد أرماقهم وإصلاح أحوالهم وضمان تعليمهم وتشغيلهم وحُسن تطبيبهم مجرد الوعود والخطابات، بالقدر الذي هم في أمس الحاجة إلى استقرار في أسعار المواد الغذائية وإلى تعليم وتكوين إلى حد الاكتفاء الذاتي من التحصيل العلمي والمعرفي في الجوهر كما في الشكل، وبالتالي في حاجة إلى فرص شغل حقيقية بل إلى مناصب شغل قارة ومستدامة وإلى طبيب عام وآخر متخصص وممرض كُفء على كل مائة نسمة، في البادية كما في المدينة، لا غلى طبيب على آلاف الرؤوس. من الطبيعي أن يكون بنكيران ومجموعته من العدالة والتنمية بالحكومة الحالية قد استوعبوا الدرس الأول جيدا، بعدما افتروا على المغاربة قاطبة بالقول إن الاقتصاد المغربي سيحقق نموا بنسبة خمسة بالمائة وتضخما بأقل من ثلاثة في المائة وأن المغرب اكتشف حقولا للبترول والغاز، قبل أن يأتيهم البيان بالدليل والبرهان بأن المغرب ليس بمقدوره، واعتبارا للظرفية الاقتصادية ومعها الظرفية "المناخية"، تجاوز سقف اثنين في المائة من نمو الاقتصاد كما ليس بإمكانه الهروب من ارتفاع لنسبة التضخم ولا يمكنه أن يكون دولة مصدرة للبترول والغاز. بنكيران هذه المرة، سيكون عليه حُسن الإصغاء والتتبع من أستاذ كبير هو "جيم يونغ كيم"، رئيس البنك الدولي الذي خرجت مؤسسته بدراسة/ تقرير حول سوق الشغل بالمغرب، وحددت بالأرقام والنسب هشاشة هذا السوق في علاقته المباشرة مع إدماج الشباب في منظومة العمل داعية إلى ضرورة العمل على "إعدام" مسببات إقصاء هذه الفئة من واحد من حقوقها الواجبة على كل دولة. لحُسن حظ بنكيران ومن معه أن بنك "جيم يونغ كيم" وضع خارطة طريق، وكما في الدول ذات الاقتصادات "النشيطة" أو في طريقها إلى النمو، للخروج بسوق الشغل المغربي من الأزمة شريطة أن تنتهج الحكومة هذه الخارطة لا أن تركب صهوة عنادها، ظنا منها أنه تعلم وتعي ما لا يعلم ويعيه البنك الدولي، وما أدراك ما البنك الدولي برئيسه وعباقرته، خصوصا أن أول خيوط هذا الدرس/ الخارطة يدعو حكومة بنكيران إلى فتح حوار جاد مع فئة الشباب النشيطة والمتعلمة التي تتراوح الأعمار فيها ما بين 15 الى 19 سنة حوار جاد معها لا إلى دعوتها إلى الاعتماد على الذات لخلق فرص شغل واهنة لا تتعدى حدود عالم "الفرًاشة" والباعة المتجولين كما يستشف من إجمالي حلول بنكيران تجاه إشكالية الشغل والتشغيل. أما ثاني خيوط هذه الخارطة فيتمثل في تعليم جاد يوازيه تكوين تقني حقيقي. ولن يكون بنكيران مريدا منجبا لدى "شيخ" البنك الدولي، جيم يونغ كيم إلا بالامتثال إلى نصائحه وتوصياته، وأدنى هذه التوصيات اقتفاء أثر بعض دول أمريكا اللاتينية التي اعتمدت برنامج "جوفين" الشهير الذي جعلها رائدة في القضاء على سياسات إقصاء الشباب النشيط من سوق الشغل بل رائدة في سياسات التشغيل وفق الحاجة وحتى الاكتفاء.محمد عفري