لا ننكر بداية أن الحكومة الحالية جاءت في ظروف صعبة، لكن تجاوز الأزمات ليس بالمستحيل لو توفر بنكيران على إرادة سياسية وبرنامج واضح يمكن أن يحقق نصفه فقط. وبما أن الحكومة تعمل بشكل غامض وتدير الشأن العام بطريقة ملتبسة فإنها أصبحت عنصرا لإشعال الحرائق بدل إطفائها. ولم يجد بنكيران من وسيلة للتغطية على الفشل في إيجاد البرنامج الملائمة ناهيك عن تنفيذه، سوى أن يمسك بالفتيلة المشتعلة وتنقيلها بين القطاعات. فكل مرة يشعل النار في قطاع قصد إثارة الضجيج وتوجه الأنظار إليه في الوقت الذي كان مفروضا فيه أن يجيب عن السؤال العام قبل توزيعه على أسئلة فرعية تهم القطاعات. لا نجد من عبارة لوصف الطريقة التي يتعامل بها بنكيران سوى "تصريف" الأزمة من خلال حرب القطاعات بدل الإجابة عنها بالجملة. واعتمد بنكيران في كل ذلك طريقة الإلهاء دون أن نرى أثرا للعمل الجاد وقد أمضت الحكومة ما يكفي في التدبير وألف الوزراء كراسيهم. لقد بدأ بنكيران بفتائل صغيرة قبل أن يتحول إلى وضع فتائل كبيرة. لقد بدأها بالنكت الحامضة ويعلم الله كيف سينهيها. مباشرة بعد تعيينه رئيسا للحكومة اكتشف المغاربة أن بنكيران يختلف عن غيره، لكن سيكتشفون فيما بعد أن هذا الاختلاف لا يعدو أن يكون شعبوية فارغة لا تنصف مظلوما ولا تشغل عاطلا. ففي أول حوار له اعتمد أسلوب "النكت الحامضة" التي كانت تخفي وراءها العجز عن إنجاز البرنامج وعدم وضوح الطريق بالنسبة لحزب العدالة والتنمية. وأطلق بنكيران سلسلة من الجمل النارية التي ظن معها الناس أن الرجل هو المنقذ، من قبيل أنه سيستمر بالسكن في بيته "المتواضع" عوض السكن في منزل رئيس الحكومة إلى أن اكتشفنا أن زوجته أصبحت تنظم فيه الولائم ويستقبل فيه بنكيران وزراءه. وسار على هذا المنوال أتباعه من أبناء العدالة والتنمية، فسمعنا عن الوزير الذي يشارك الموظفين المصعد والوزير الأكول للبصارة والوزير الذي يمشي في الأسواق والوزير الذي يشترك مع السائق والشاوش في مائدة واحدة. ومع مرور الوقت تبين أن هذه الفتائل لن تعوض عن الفشل في تدبير الشأن العام وأن الحكومة تنتقل من خسارة إلى أخرى فأخرج بنكيران الفتائل الكبرى. وكان من حظ رباح أن يمسك الفتيلة من يد بنكيران ويخرج لائحة المأذونيات التي لم تكن سوى زوبعة في فنجان ظهر فيما بعد عدم جدواها، لقد نجح في الإثارة وفشل في إخراج قطاعي التجهيز والنقل من أزمتهما. وبعدما تبين أن مهمة رباح في حمل الفتيلة قد انتهت حولها بنكيران ليد الشوباني لكنه لم يستطع أداء المهمة بجد نظرا لعوائق في الوزارة وطبيعتها وفي شخصه فمرت قضية الجمعيات بشكل باهت. وبعد ذلك أوحى بنكيران لتلميذه النجيب الخلفي بحمل الفتيلة من خلال إخراج دفتر التحملات وقد نجح الخلفي على مستوى خلق نقاش كبير، فإن لم يكن قد تمكن من تمرير أخطر مشروع لدى حكومة العدالة والتنمية فعلى الأقل استطاع زرع أكبر بالونة إلهاء. ولم يبق له إلا أن ينقلها بيد الرميد بعد أن ظهر الداودي بمظهر الوزير الباهت، ويبدو أن الفتيلة هذه المرة ستحترق أو تحرق معها حاملها أو الحكومة برمتها. لكن وصولها إلى يد الرميد سيشعل النار في الأخضر واليابس إذا ما ركب رأسه. لأن القطاع الذي يشرف عليه الرميد يضم متدخلين كثر وقطاعات مستقلة عن الوزارة كالقضاة التابعين للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والمنتظمين في الودادية الحسنية للقضاة ونادي القضاة الذي يريد أن يكون فاعلا إضافة إلى المحامين. وأي مساس بجزء من مكونات الهيئة القضائية سيكون كارثيا وبمثابة سياسة الأرض المحروقة. إن حرب القطاعات مقصودة لدى بنكيران وليست اعتباطية فهي طريقته في إلهاء المواطن المغربي.