قال أحد شعراء العرب : "بلادٌ ألفناها على كل حالة وقد يُؤْلَفُ الشيء الذي ليس بالحَسنْ". لم أجد أحسن من هذا البيت الشعري جوابا عن سؤال طرحه صديق أديب ونحن نتجول بمدينة القنيطرة. سألني متحسرا : ما يعجبك في هذه المدينة؟ قلت له إنها فضاء مفتوح وبالجملة هي "مدينة ولافة"، لكن آفتها ماترى. مدينة تزداد حفرها يوما بعد يوم وتزداد اتساخا رغم أن المجلس البلدي فوت قطاع النظافة بميزانية ضخمة، مدينة بلا كهرباء عمومية، بلا ثقافة، وبلا فن. مدينة لها من المدينة الاسم، هي في الواقع قرية اتسعت في غفلة من الزمن وفي غفلة من أهلها. قلت لصديقي، إنه منطق الزمن المقلوب أو المنطق المقلوب للزمن. مدينة عولت على الحزب الملتحي أن يخرجها من النفق فضيق عليها الخناق والكارثة حين منحها جرعة من الوهم. مدينة منحت الحزب رئاسة المجلس البلدي وإدارة مرافق المدينة وهي لا تعرف أن الرئيس يجر وراءه ملفات يوم اشتغل مسؤولا بإحدى الوزارات. كان من المتوقع أن تخرج مدينة القنيطرة، مدينة الحفر والأوساخ والوهم المتلفع بالسبحة وآيات القرآن والنفاق في معانيه الكبرى، لترمي حزب الأوهام بالبيض لكونها منحته مقعدين بمجلس النواب. قلت لصديقي، الأديب المريض بالقنيطرة حد الهوس، هذه المدينة التي أدت ثمن الوهم ولعنة التكالب المتواصل من لوبيات متعددة منحت الحزب الأصولي أو الوصولي مقعدين وهو الذي منحها رئيسا لا يفكر إلا في التسلق الاجتماعي، فما هي النتيجة لو كان صاحبنا ذكيا وأنجز مشروعا من المشاريع؟ هل كانت ستمنحه اللائحة بأكملها أو تخرج في تظاهرات نادرة تطالب بمنح الحزب مقعدا إضافيا خارج القانون؟ كان ينبغي أن نضحك كثيرا لأن الحديث عن المدينة والحزب الملتحي تصيب بالغثيان. فبدل أن يسقط الحزب في المدينة، انتقاما منه على تفريطه فيها، منحته كل شيء ومنحت الرئيس وزارة "قد الدنيا". عبارة "قد الدنيا" ذكرتني بالرئيس، الرابح وحده من كل هذه العملية وهو الذي انتقل من حال إلى حال جزاء وفاقا على إخلاصه لدعوة بنكيران والجماعة الإسلامية، ذكرتني بالرئيس الذي يزعم اليوم أنه لا يستغل سيارة الدولة إلا في مهامه الوزارية، وبالمناسبة فهي تضع رهن إشارته سيارتين، ذكرتني بزمن مضى كان فيه الرئيس يتلمس أبواب السياسة من الحرم الجامعي، يومها قال، أنا مهندس "قد الدنيا" ولولا سيارة المصلحة لعجزت عن حمل والدتي إلى المستشفى. فالإنسان هو الإنسان لكن الذي تغير هو حاله، بالأمس كان موظفا في طريق البحث عن المنافذ السهلة للوصول، واليوم جمع من الإمكانيات ما به يشتري السيارة والسيارتين. هي لعبة يا سيادة الرئيس الوزير وهلم طموحات لا يعلمها إلا من خبر جذور الجماعة الإسلامية التي جربت كل وسائل التسرب للمؤسسات قصد طحنها، وما حزب العدالة والتنمية إلا وسيلة من تلك الوسائل. والكارثة أن الطموح الشخصي يجتمع بطموحات الحركة. رئيس فاشل بكل المقاييس، رئيس لم يحقق مشروعا واحدا للمدينة. يقول هو، إن الملفات والأوراق دالة على المنجزات والواقع يقول غير ذلك. رئيس لم يثبت أنه رجل استراتيجية يتولى قطاعا استراتيجيا في الدولة. حالة تصيب بالغثيان ختم صديقي.ادريس عدار