بقلم:مراد الصغراوي/.باحث في علوم التربية أبدى العديد من أفراد الأسرة التعليمية بالمغرب تخوفا بشأن إمكانية فشل الحركة الانتقالية المتعلقة بهيئة التدريس لهذه السنة والتي جاءت مخالفة للنمط التقليدي الذي كان يجمل العملية في ملأ مطبوع ورقي يسلمه المدير التربوي للأستاذ. الجديد في العملية لهذه السنة أن الأمر لم يعد مقتصرا على المطبوع الورقي وإنما تجاوزه إلى التعبئة بواسطة رقمية تتم عبر موقع خاص خصصته الوزارة لهذه العملية، الشيء الذي اضطر كل الراغبين في المشاركة إلى التعامل مع الحاسوب وهنا برز المشكل العويص، فالكل يعلم أن الأغلبية الساحقة من رجال التعليم لا يجيدون التعامل مع الحاسوب ولا يتقنون استعماله بل حتى الذين لهم نزر من الخبرة في هذا المجال وقفوا حائرين أمام العملية المعقدة التي قذفتهم بها الوزارة لهذه السنة دون مسبق تنبيه، فمنذ انطلاق العملية ونحن نسمع عن صعوبة تجاوب الموقع المخصص للعملية مع الراغبين في تعبئة المطبوع، مشاكل عديدة طفت على السطح منها ما هو متعلق بالتوقف المستمر للبوابة الالكترونية ومنها ما هو متعلق بالأخطاء في معلومات الأطر التربوية هذا إذا علمنا أن الموقع يرفض الاستجابة إذا كان هناك خطأ في عدم تطابق معلومات الإطار مع ما هو مصرح به في الأوراق والوثائق. تفاوتت الآراء بخصوص هذه العملية بين متمن وبين ناقم وغاضب، ومن باب أن رجال التعليم هم الفئة الأكثر مقاومة للتغير فشيء طبيعي أن يرفضوا وبشراسة هذه الفكرة العبقرية للوزارة، في الحقيقة هي ليست فكرة جديدة على الحقل التربوي ربما قد تكون لنا في المغرب هي كذلك لكن بإطلالة على جيراننا في المغرب العربي نجد أن تونس قد عملت وفق هذا النموذج منذ عشرة سنوات خلت ونفس الشيء يمكن قوله عن الجزائر وليبيا، فنحن بالمقارنة مع باقي الدول نسبيا متأخرون عنهم، لكن عموما هي عملية من شأنها أن تضفي طابعا من الاحترافية والدقة وكذلك السرعة في المعالجة والطرح. قبل أن اكتب هذا المقال قمت في الأيام القليلة الماضية بإجراء استبيان لجس موقف رجال ونساء التدريس من شكل وتخريجة الحركة الانتقالية لهذه السنة، فكانت النتيجة مخيبة لآمال الفريق الذي أشتغل ضمنه، أما شخصيا فلم أفاجأ لأني أعتدت الموقف السلبي والبكائي لهذه الفئة التي تخلت عن دورها في البناء وتسربلت برداء البكاء والنواح والاحتجاج الأجوف. بالعودة إلى نتائج الاستبيان أذكر أننا بعد دراسة كل الحالات خرجنا برزمة خلاصات أحب أن أنور القارئ المهتم بها وهي كالتالي: - الحركة الانتقالية لهذه السنة فاشلة - لماذا منحت نقط الامتياز للعازبة والمتزوجة - الطريقة القديمة أنجع وأحسن - البوابة الالكترونية معطلة - نحن لا نجيد استعمال الحاسوب - الوفا ارتجالي وغير حكيم لمن له حظ بسيط من المعرفة وبعد نظر في التحليل لما ينظر هذه المواقف للأسرة التعليمية يسجل بدون تردد التشاؤم العظيم الذي ترزح تحته معظم هذه الفئة ولسان الحال يقول تفائل تجد خيرا تشائم تجد شرا. سجل الطبقة التعليمية حافل بالمعارك ضد الإصلاح بالأمس حاربوا الإدماج وحاربوا برنامج جيني وحاربوا وبقوة مشاريع الوافا واتهموه بالمبتدع ونسو أنهم ينطبق عليهم قول لوط لقومه"إنكم قوم تجهلون" واليوم ينظرون إلى هذه المبادرة التقدمية نظرة سوداوية رهيبة. لماذا يحارب رجل التعليم التغيير وينتقده بشدة وبالمقابل ينادي بمنظومة تعليمية راقية ومزدهرة؟ سؤال يطرح نفسه بقوة سأحاول تفسيره وإيجاد له مقاربة منطلقا من جانبين اثنين: الجانب السوسيولوجي والجانب السيكولوجي. 1.الجانب السوسيولوجي: لا يخفى على المهتمين بالحقل التربوي الدور الكبير الذي أسداه هذا العلم للتربية من خلال مساعدته في فك كل الإشكالات المتصلة اتصالا وثيقا بالتربية، إدراك سبب عزوف الأسرة التعليمية عن قبول التغيير نابع من الحيثيات الاجتماعية التي أطرت هذه الفئة، فالتربية غير حيادية، فهي ليست مجرد تلقين المعارف والمهارات، ولكن تهيئة الفرد اجتماعيا وسياسيا، الأسرة المغربية العميقة لا تتوفر على الإمكانات التي تتيح لها تحقيق هذا النوع من الأهداف أي التهيئة الاجتماعية والسياسية، فالطفل يتربى في الأسرة وفق منظور ومسلمة أن الراحة والطمأنينة في القديم والأصيل، زد على ذلك ضعف المدرسة التي تعتبر الموطن الثاني للتنشئة التربوية في تحقيق الهدف السابق الذكر، من هنا يجب ألا ننظر إلى رجل التعليم منفصلا عن جذوره وتنشئته، فقبل أن يصبح مدرسا كان متعلما وقد تشرب بقاعدة "الراحة والطمأنينة في الأقدم" وعليه فعلم السوسيولوجيا يعطينا مفتاحا وإجابة وتفسيرا لجنوح رجل التعليم فطريا نحو مقاومة التغيير حتى ولو كان مجديا. 2.الجانب السيكولوجي: في القديم كانت السايكولوجيا تعرف بأنها دراسة العقل والظواهر العقليه. السايكولوجيا فى دراساتها تتبع المنهج العلمي القائم على الملاحظه و القياس و التقريب. و تنقسم حسب المبادئ التي تقوم عليها السايكولوجيه السلوكية و الفرضية، و التكوينية، و التحليل النفسي. إلى جانب هذا فإن سيكولوجية التدريس هو علم يهدف إلى نقل المدرس من التدريس التقليدي إلى تدريس يتبنى النظرية النفسية التي تفترض أن المعلم والمتَعلِّم والمادة التعليمية متغيرات تسير معاً بصورة متناغمة متآلفة في الموقف التدريسي، لتحقيق أغراض النمو والتطور والتكيف الصفي التعليمي، وككاتب هذا المقال وبصفتي البحثية أفترض أن سيكولوجية التدريس هي: 1-مجال دراسة متعمقة، تتيح للمدرس فهم خصائص التدريس وتطبيقاتها في مواقف حية، 2-مهارات يتدرب فيها المدرس على اعتبار متغيرات العملية التدريسية، كمتغيرات المدرس، والمحتوى التعليمي، والبيئة الصَفِّيًّة، 3-عملية فنية متقدمة تتطلب تدريباً، وإعداداً بتكتيكات متقدمة، 4-دراسة نفسية متعمقة تهدف إلى استثمار خصائص المدرس، والمحتوى التعليمي، ليصبح المتعلم الصَفّي أكثر فاعلية وحيوية، ونشاطاً، 5-وأخيراً فإن سيكولوجية التدريس تتطلب تنظيماً لمخططات تنفيذية تنظم الاستراتيجيات التدريسية، وتخطيطها وإدارتها وتقويمها. أما علم النفس التدريسي فهو علم يهدف إلى: 1-توضيح التخطيط اليومي للتعليم لهندسة عملية التدريس، 2-تحديد الأهداف التعليمية تحديداً دقيقاً قابلاً للتطبيق، 3-تحقيق النتاجات المعرفية على صورة معارف ومفاهيم ومصطلحات، 4-تحقيق النتاجات الوجدانية على صورة اتجاهات وقيم، 5-تطبيق المعلمين استراتيجيات التعليم في المواقف الصفِّية، 6-تطبيق المعلمين قواعد النظام الصفي، ومعالجة مشكلات الطلبة، 7-تطبيق المعلمين قواعد الإبداع في مجالات التعليم الصفي، 8-معرفة المعلمين لأسس التقويم، وتطبيق قواعدها لبناء أسئلة اختباريه دقيقة. كل ما سبق يشكل تحديا معرفيا لرجل التعليم يجعله ينمي في لا وعيه استهامات ومخاوف يصرفها إلى سلوكيات رافضة لكل ما يتهدده في عرينه أي يستفزه معرفيا وهناك عبارة تفسر كل ما سبق "الإنسان عدو ما يجهل". من هنا تأتي أهمية برامج إعداد المدرسين، وتدريبهم وتأهيلهم. والغاية إعداد مدرسين يكونوا على مستوى أكاديمي معاصر يراعي كل المتعلقات ويكون على وعي بأهمية مهنته وبدورها الرائد في إعداد جيل فعّال في مجتمعه ويكون على مستوى التطور الحاصل في هذا العصر في جميع الحقول والميادين العملية والنظرية.